رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


البترول بالدولار .. أليست مقايضة؟

موضوعنا اليوم يتعلق بأمر اقتصادي مهم يشوبه كثير من الغموض وعدم وضوح الرؤية، على الأقل بالنسبة لي كمواطن عادي. وسأحاول قدر المستطاع شرح وجهة نظري، وأترك الحكم للمختصين وللقارئ الكريم. نحن اليوم نقيم قيمة بترولنا بازدواجية غير مقبولة، خصوصا عندما يكون الأمر يتعلق بمصالحنا ومستقبل حياتنا واقتصادنا الوطني. ففي ظروف استثمارية ومناسبات كثيرة حُرمنا من مكاسب مالية هائلة بسبب فرضيات ونظريات اقتصادية ألزمنا بها أنفسنا بأنفسنا. نحن ندرك أن بعض النظريات الاقتصادية التقليدية لا تتناسب مع وضعنا المالي والاجتماعي وخصوصيتنا في دول الخليج، وينطبق علينا المثل، أنفق ما في الجيب يجيك ما في الغيب. أي أن من الأفضل لمستقبلنا ألا يكون دخلنا من ثروة ناضبة أكبر من متطلباتنا الضرورية. وهو ما يستدعي استنباط نظريات وقواعد اقتصادية جديدة تساعد على فهم وضع بترولنا وتحفظ لنا ثروتنا. فعند دراسة الجدوى الاقتصادية لمشاريع الطاقة المتجددة نجد هناك فارقا كبيرا بين قيمة البرميل الذي يعرَض للبيع في السوق البترولية والبرميل الذي يتم إنتاجه للاستهلاك المحلي، كوقود لمولدات الكهرباء على سبيل المثال، الذي نحاول جاهدين توفيره. الحديث هنا ليس عن سعر البيع المحلي، فذاك شأن آخر. ولكن الذي يلفت النظر ويهمنا ويحتاج إلى مراجعة هو التقييم المتدني لقيمة برميل السوائل البترولية التي نريد استبدالها بمصادر متجددة. والقيمة المعتمدة الآن عند التقييم تقل بنسبة كبيرة عن سعر بيع البرميل في السوق الدولية. ولا نعلم إن كانت هذه الممارسة فقط عندنا وحدنا في السعودية أم أن دولا أخرى تعمل الشيء نفسه، ونخص بذلك الشركات "الوطنية" المعنية بإنتاج البترول في بلادها. ونحن متيقنون أننا ـــ بإذن الله ــــ سننتج البترول إلى آخر برميل، طالما أن إنتاجه اقتصادي. والبترول ليس سلعة مصنعة ومتجددة، بل هو سلعة ناضبة وتباع بمقايضة ذهب أسود بدولار مذهب. وإذا، فلا هناك فرق بينه وبين أي نوع من النقود المحفوظة في صندوق محكم الإغلاق. ومن خبرتنا خلال السنوات الماضية ونظرتنا إلى المستقبل البعيد نرى أن سعر البرميل، على الأرجح، سيستمر في الارتفاع. أي أن الذي في قاع الصندوق اليوم سوف تكون قيمته السوقية أعلى من القيمة الحالية، بصرف النظر عن الهفوات السعرية المؤقتة التي تحدث من حين إلى آخر وتستمر لزمن قصير، ثم تعود إلى مجرى مسارها العادي المتصاعد. ولا يصح أن نفترض غير ذلك دون دليل مادي وواضح، كاحتمال وجود اكتشافات بترولية ضخمة ورخيصة أو التوصل إلى إيجاد مصدر جديد ورخيص للطاقة، وهو ما تنفيه الشواهد والواقع. ولو تقدم أحد بعرض لشراء حقل من حقولنا نقدا بسعر يساوي أقل من نصف السعر الحالي للبرميل، فهل يا ترى نحن مستعدون لقبول مثل هذا العرض؟ لا نظن ذلك. رغم أن الاقتصاديين ربما يكون لهم رأي آخر.
ولنضرب مثلا لما قد يحدث عندما يتم تقييم قيمة برميل البترول حسبما هو معمول به اليوم. فاستخدام كميات كبيرة من البترول الخام كمصدر للطاقة للضرورة، خلال أوقات ذروة الاستهلاك الكهربائي، ووجود مشروع لإحلال مصادر الطاقة المتجددة من أجل توفير حرق البترول الخام، يتطلب دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع. فإذا افترضنا أن تكلفة وحدة الطاقة المتجددة المكافئة لبرميل البترول تساوي 50 دولارا. والقيمة السوقية للبرميل المعروض للبيع خارج المملكة 80 دولارا. وإذا سلمنا أن الجهة المنتجة تفرض للبرميل الذي سيستهلك داخليا، عند دراسة الجدوى الاقتصادية، قيمة أدنى من ذلك بكثير، قد لا تتجاوز الـ 20 دولارا للبرميل، بناء على حسابات اقتصادية تتعلق باستثمار القيمة لسنوات قادمة مقابل فوائد مالية ترفع من قيمة البيع الحالي بالسعر المتدني. وبموجب هذه الفلسفة الاقتصادية، فإن من المستحيل أن يكون الاستثمار في الطاقة المتجددة ذا جدوى اقتصادية. وهو ما يعني أننا سنظل نحرق كميات كبيرة من إنتاجنا لتوليد الطاقة الكهربائية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا نفترض للبرميل الذي لا يزال تحت الأرض أو الذي يستهلك محليا، قيمة متدنية وتختلف عن سعر البيع في السوق البترولية، في حالة وجود مشاريع القصد منها التوفير؟ في الوقت الذي نحن نعلم أن لدينا مصادر جديدة مستقلة بأقل تكلفة مالية. ناهيك عن الفوائد البيئية عند استخدام مصادر الطاقة المتجددة النظيفة التي لا تقدر بثمن، إلى جانب توطين صناعة الطاقة المتجددة. وخفض إنتاج البترول في حد ذاته هو مكسب استراتيجي لصالح الأجيال القادمة، ما قد يعطي انطباعا غير حقيقي بأن المصادر المتجددة ليست اقتصادية إذا قورنت مع هذا السعر المتدني، مع أن الاستنتاج غير دقيق ولا يعكس الأمر الواقع. فاليوم، ونحن نعيش قمة الطفرة الاقتصادية المعتمِدة حصريا على دخل البترول، في حاجة إلى عقول متنورة ذات رؤية وإبداع في التفكير ودقة في التخطيط وإخلاص في التنفيذ حتى لا نصبح ضحية لنظم اقتصادية، رغم عالميتها، فهي حتما لا تتناسب مع ظروفنا ولا تستجيب لمصالحنا.
نحن نغفل أن بيع البترول، أو الذهب الأسود، هو عبارة عن مقايضة مع عملة هي من وزن الذهب. وهو ما يعني أن البترول، سواء كان تحت الأرض أو فوق الأرض، قيمته لا تتغير بالنسبة لصاحب الأرض، تماما كما لو كنت تملك ذهبا أصفر داخل حافظة في مكان أمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي