سوق الأسهم .. إلى أين ستتجه؟
أخيرا زادت طلبات الأصدقاء في الحديث عن السوق، وهناك اتصالات عدة تأتيني إضافة إلى الرسائل الإلكترونية، وكاستجابة يأتي هذا المقال. لم تزل مشكلة السوق السعودية في عمقها، وفي تقسيمها، هذه مشكلة هيكلية قديمة ومع أن الهيئة تعمل في السنوات الأخيرة بجدارة على حل هذه المشكلة إلا أن هذه المشكلة تحتاج إلى جهد ووقت أطول. فالسوق السعودية تتضمن الكثير من الشركات التي لم تحقق أرباحا وهناك شركات لا تفصح عن تصرفاتها بشكل جيد ومستقبل العديد من الشركات غامض وردة فعل الشركات على الأوضاع الاقتصادية غير واضحة، بينما في السوق أيضا شركات جيدة تحقق أرباحا وتوزع نقدا وتطور آليات الإفصاح بشكل ملحوظ، فالمشكلة الهيكلية هي أن الجميع في قِدر واحدة، فإذا ارتفعت حرارة القدر أو انخفضت ارتفعت حرارة الجميع أو انخفضت بلا استثناءات، حاولت الهيئة عزل هذا عن ذاك برموز لكن ذلك لم يخرجها من القدر. عندما نتحدث عن مشاكل اقتصادية واحتمالات عن تراجع اقتصادي فإن السوق تتجاوب مع ذلك بالتأكيد لكننا لا نعرف على وجه الدقة من الذي يقود الثاني في التراجع، هل الشركات الخاسرة التي تقود المضاربات أم الشركات الرابحة التي من المتوقع أن تتراجع أرباحها في المستقبل نظرا لتراجع النمو؟ إذا كانت الأولى فإننا أمام مشكلة سيولة عامة في السوق وإذا كانت الثانية فإننا أمام إعادة ترتيب مراكز. في اعتقادي أن السوق تعاني ولأول مرة الأمرين معا فالمضاربون لم يعودوا يرون في السوق محفزا للاستثمار على المدى المتوسط (كمضاربات وتحقيق أرباح سريعة) ولهذا يبحثون عن ملاذات آمنة، والثانية فإن الصناديق الاستثمارية التي تقود السوق المالية تعيد تقييم أوضاع الشركات مع الربعين المقبلين وسوف تعيد ترتيب محافظها، ثم تعاود السوق بناء نفسها.
القضية الثانية من قضايا السوق المالية (ومرتبطة بالأولى) هي القبول النفسي للمخاطر والسائد في السوق، هناك نوعان من المستثمرين، الأول هو الذي يبحث عن العوائد الرأسمالية الناتجة عن ارتفاع سعر السهم فقط، والثاني هو المستثمر طويل الأجل الذي يعمل على الحصول على عوائد نقدية منتظمة، في مناسبات اقتصادية معنية بكون القبول النفسي لمخاطر تقلبات سعر السهم عند النوع الأول منخفضا، وذلك عندما يسود التشاؤم في السوق، إذا كانت الحالة كذلك (عندما يسود التشاؤم وتصبح حالة قبول المخاطر منخفضة) فإن اتجاهات السوق نحو التراجع تعزز البيع أكثر من الشراء، بمعنى أن مراقبة السوق لأجل البيع أكثر منها من أجل الشراء، فإذا قام المضاربون بشراء الأسهم في الصباح ومع كون القبول النفسي للمخاطر متراجعا فأي مظاهر للخسارة تتحول إلى موجة بيع فورية بحجة نقطة إيقاف الخسائر، التي تكون قريبة جدا، من المفترض في هذه الحالة أن تكون أسهم الشركات ذات العوائد، التي يسيطر عليها المستثمر طويل الأجل قادرة على الصمود في وجه ظاهرة البيع نظرا لأن المستثمر طويل الأجل يهتم بالعوائد الثابتة وليس بتقلبات السوق ولهذا فإن السوق تقف دائما عند القاعدة الصلبة لهذه الشريحة، التي نسميها نقاط ارتكاز السوق. كسر هذه النقاط له عدة معان، أولها أن المستثمر طويل الأجل يستغل موجة الهبوط لتصحيح مستوى العوائد، وذلك بالبيع حالا وإعادة الشراء بسعر أقل ولهذا فإن السوق تذهب إلى نقطة ارتكاز جديدة. لكن هذا صحيح فقط إذا كان المستثمر طويل الأجل يرى مخاطر الاستثمار في المستقبل مقبولة، ولديه الرغبة في المخاطرة عند الأسعار الحالية، فأسعار اليوم عند المستثمرين الرئيسيين ليست لها علاقة بالماضي بل بالمستقبل، وما تقوم به المحافظ الكبيرة هو شراء التدفقات النقدية التي في المستقبل من مالكيها الحاليين. تواجه السوق اليوم مشكلة غموض المستقبل، وهي التي تقود إلى عدم قبول مخاطر شراء الأسهم ذات العوائد عن مستواها الحالي، ذلك أننا لا نعلم بدرجة ثقة عالية أين ستكون عوائد الشركات في المستقبل. من هنا بدأت ضغوط المخاطر النفسية تتراكم على السوق من الجانبين، فالمضارب لم يعد يقبل مخاطر الخسارة ولهذا يسعى إلى أن تكون نقاط إيقاف الخسائر متقاربة للبيع عن أول مؤشر لتراجع السوق، والمستثمر طويل الأجل غير قادر على تحديد صافي التدفقات النقدية المستقبلية من سوق الأسهم في ظل تكهنات بوجود بدائل استثمارية ذات عوائد مستقبلية أفضل (كالسندات الحكومية) وأكثر أمانا وفي ظل استمرار تراجع أسعار النفط وعدم ارتكازها عند سعر معين، إضافة إلى عدم وضوح ملامح للميزانية العامة للدولة في العام المقبل.
لقد بلغت أسعار الأسهم حدودا جيدة ومع ذلك فإن شهية اللاعبين في السوق لتقبل المخاطر لم تزل محدودة ولكسر هذه الحلقة المفرغة نحتاج إلى أمرين معا الأول هو الإجازة المقبلة، الأمر الثاني هو الوقت لتتضح الصورة العامة لميزانية الدولة وحجم السندات المتوقع طرحها واستقرار سوق النفط، وأي تطمينات بهذا الشأن، خاصة وضع الميزانية العامة للدولة وحجم الإنفاق المقبل سيكون مرحبا بها إلى أبعد حد.