دليل الفشل المهني
لو نظرنا للنجاح المهني بطريقة مغايرة، مقاربة للواقع ربما، لوجدنا أن الفشل المهني أمر سهل جدا لا يتطلب الوصول إليه إلا الوقوع في بضعة مطبات يعجز الكثيرون عن تجاوزها. في الجانب المقابل نجد أن الاعتناء ببعض الأمور وفهمها وممارستها كفيل بتحدي معظم هذه المطبات، أو البنود الموجودة في الدليل غير المكتوب للفشل المهني!
يأتي على رأس القائمة الشك في الذات وعدم تصديق القدرات الشخصية والإمكانات التي يتحلى بها كل واحد منا. يقتل هذا الشك من أحلامنا أكثر مما يقتل الفشل نفسه. الشك في الذات وتدهور حالة الثقة بالنفس أكبر مثبطات التقدم في الحياة، يقتل قدرتنا على الإبداع ويهدئ من عزيمة المبادرة حتى تتلاشى. يقلل الكثيرون من أهمية أحلامهم ومخططاتهم، ويترددون خلف هواجس الشك والخوف الذي يسيطر عليهم إلى أن يخلو أداؤهم من الشغف وتفتقر قراراتهم للأهداف وتصبح سلوكياتهم خالية من أي معنى. في النهاية ولتبرير هذه الحالة يبدأ من لا يثق بنفسه برمي التهمة على الآخرين والظروف والمعاناة التي تجسدها له ثقته الضعيفة، على قدر ضعفها إلا أنها تملك ما يكفي من القوة لتسيطر عليه.
أما الخطوة الثانية للفشل المهني فتكمن في حصر المهارات والمعارف المكتسبة على ما يظنه الشخص الحد الأدنى واللازم للارتباط بعمل ما، وهذا على الأغلب ما ينتج من درجة جامعية واحدة أو درجتين. وبهذه الطريقة يجمع الشاب في خزانته مجموعة متواضعة من المعارف والمهارات المتخصصة التي لا تضمن له في الواقع إلا الحد الأدنى من الأداء، متجاهلا كما هائلا من المعارف المتنوعة والمهارات الشخصية المهمة التي تزداد أهمية في بيئات العمل المتغيرة كل يوم وساعة؛ ثم بعد ذلك يستغرب بطء تطوره المهني وربما ضعفه في منافسة الآخرين الذين يظهرون وكأنهم محظوظين بقدراتهم أو بعلاقاتهم الاستثنائية! تشير الدراسات إلى أن المهارات الشخصية أهم من المهارات التخصصية والفنية بفارق كبير جدا، حيث يفقد معظم من يركز جهوده على المهارات الفنية دون غيرها فرصا كبيرة ربما لا يشعر بها إلا بعد مضي السنوات ومشاهدة أقرانه في مناصب عليا مختلفة.
يفضل كذلك لمن يرغب في الفشل المهني أن يحرص على غياب التنسيق بين ثلاثة قوى رئيسة تعمل كالسحر في عالم المهن والأعمال وهي الشغف والقدرات والواقع. مجرد تقديم إحداها وتجاهل الباقي كفيل بالوصول إلى نتيجة فاشلة وغير متوازنة. من الطبيعي القول إن من يستخدم شغفه ـــ أو يصنعه ـــ لتعظيم قدراته ومواءمتها مع واقع سوق العمل لن يستطيع الوصول إلى الفشل. ومثل هؤلاء يبذلون الجهد في اكتشاف أنفسهم واكتشاف الواقع من حولهم بالقراءة وبناء العلاقات والتواصل المجتمعي الإيجابي؛ من يبتعد عن مثل هذه الأمور سيقترب أكثر من الفشل.
أما جوهر دليل الفشل المهني فهو الفوضوية وغياب التخطيط وبناء العادات بالمصادفات والعشوائية، دون تحليل وتحميص للمفيد وغير المفيد منها. اهتم بيومك فقط، اترك أمر الغد للغد، ولن تغير المكتوب، بمثل هذه الشعارات والتطرفات يفقد الإنسان قدرته على البقاء ويصبح المستقبل المهني غامضا وتفقد اللحظة ارتباطها بالحلم، لتتحول إلى ساعات ثقيلة لا تلبث أن تنتهي حتى تأتي ساعات اليوم الثاني التي تكون أثقل منها وأمر. الأخذ بالأسباب وبناء القدرات لمواجهة تحديات الغد أمر محظور في دليل الفشل المهني.
لا يستغني الفاشل مهنيا عن تقسيم يومه إلى أجزاء متناقضة، يضحك في بعضها مع أصدقائه وهو يضيع الوقت محاولا نسيان الساعات التعيسة التي يقضيها باختياره. تجده عبوسا متذمرا وهو في طريقه للعمل وحين يواجه نفسه، ويتظاهر بالسعادة ـــ التي لا يعرف طريقها ــــ في بقية الأوقات. على الرغم من أن النجاح المهني يصنع له السعادة في كل أجزاء اليوم، أثناء الجد واللهو، إلا أن دليل الفشل ينص على غير ذلك.
يبرر الفاشل مهنيا ضعفه في تحفيز ذاته وبناء مستقبله بتصديق الأساطير وتضخيم السلبيات والعوائق. فالواسطة أخطبوط شرير يصنع النجاح للمضطر، والكذب والتملق وسيلة أساسية للمرور من بعض الأبواب، والقوى الخفية حقيقة تحول الضعيف إلى قوي والقوي إلى ضعيف. مثل هذا يجد ضالته في النجاح بتبرير تجاوزاته الأخلاقية ومتابعة النصابين والماكرين الذين يروجون لأساليب الكسب السريع؛ قد يقضي حياته آملا في إيجاد واسطة خارقة تغير حياته أو محاولا بيع مدينة كاملة للحصول على عمولة خيالية أو ربما باحثا عن وظيفة "دوامها خفيف" ليتفرغ لأعماله التجارية التي لم يتمكن من تخيلها بعد. يستمر دليل الفشل المهني بقائمة طويلة من البنود والإرشادات والأمثلة، التي تنجح فقط لأن الفشل عند صاحبه يتكرر بالاختيار، يمتهنه ولا يتعلم منه، وكلما تعرض له لا يحرص بعدها على تفاديه. دائما ما يهرب مثل هذا من نقطة التحول ومن تغيير مسار حياته عندما يتاح له ذلك.