الخصائص النفسية أساس التفاعل والتفاوض
المعلم في فصله مع طلابه يحاول جاهدا بذل ما في وسعه لإكساب طلابه المعرفة التي يحتاجون إليها في حاضرهم ومستقبلهم، كما يسعى لتثبيت القيم الاجتماعية لكي يضمن تحقق التجانس الاجتماعي وفق الأسس والثوابت العامة. يضاف إلى ذلك ما يتركه من أثر في طريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة والتعامل مع مستجداتها. هذا الجهد من الممكن أن يختصر لو أن المعلم حاول اكتشاف العالم الداخلي للطلاب سواء بجهده أو بجهد الإخصائي والمشرف الطلابي الذي يفترض فيه المهارة واستخدام الأدوات المناسبة للتشخيص. العالم الداخلي يتمثل في الاستعدادات والميول والرغبات والدافعية بهدف استثارتها والوصول بها إلى المستوى الذي يمكِّن الطالب من الاندماج والتفاعل البنّاء مع بيئته المدرسية والاجتماعية.
التاجر هو الآخر يتعامل مع زبائنه، وبما لديه من مهارة وخبرة في التسويق وقدرة على تشويق الزبون للبضاعة من خلال إظهار محاسنها ومنافعها وقيمتها أو جمالها، يمكنه بيع الكثير من بضاعته وكسب مزيد من الزبائن إذ إن الزبون سينقل انطباعه عن البضاعة إلى الآخرين، وهذا بحد ذاته تسويق لها، لم يخسر البائع أو يتكلف شيئا.
عمليات التفاعل هذه، والتفاوض يدخل فيها استثمار الخصائص النفسية بالشكل المناسب لتكون عاملا مهما في الإقناع بين الطرفين سواء في تسويق المعلم للمعرفة أو الفكرة أو في تسويق التاجر لبضاعته المادية في الغالب إذ قد توجد بضائع غير مادية.
هذا النوع من التفاعل يكون في الغالب أيسر من غيره من عمليات تفاعل أخرى خاصة أن أطرافه ينتمون لثقافة واحدة ويحملون في الغالب قيما متقاربة بحكم أنهم تتلمذوا على المناهج نفسها وتربوا في البيئة نفسها، إلا أن التفاوت البسيط قد يكون مصدره البيئة المنزلية.
التفاعل الأصعب في إدارته و تحقيق أهدافه يتمثل في التفاعل بين أطراف من ثقافات مختلفة وأهداف متعارضة، وفي هذه الحالة حيث كل طرف يحاول إقناع الآخر، يحسن التأكيد على أن مهمة الإقناع تحدث من طرف للآخر بناء على ما يتوافر له من معلومات صحيحة، وموثوقة المصدر، ولذا نجد الحريصين على تحقيق المكاسب يتهيأون مسبقا في معرفة الطرف الآخر في كيفية التأثير فيه، وكيف يفكر والعوامل التي تمثل منطلقا وأساسا في تفكيره.
دراسات علم النفس الثقافي وعلم النفس اهتمت بهذا الموضوع وأصبح ساسة العالم وقادته يبنون حواراتهم وتفاوضهم على أسس نفسية واجتماعية عند الفرد مثل إن كانت الثقافة التي ينتمي إليها الفرد تربي أفرادها على سرعة اتخاذ القرار والعجلة وعدم التأني، إضافة إلى افتقاد الأسس الموضوعية، أو هل الشخص ملول في طبعه وليس لديه خاصية التأني وطول النفس.
من الأمور التي تؤخذ في الاعتبار ما إذا كانت الثقافة التي ينتمي إليها الفرد تركز على العموميات أم أنها تركز على التفاصيل وتبحث فيها بعمق حتى أن الفرد لا يترك شاردة ولا واردة إلا توقف عندها وتساءل بشأنها، إضافة إلى دقة الملاحظة التي يتمتع بها الشخص. لعله من المناسب أن نشير إلى أمثلة تبين ذلك، في مؤتمر كامب ديفيد الذي عقد بين السادات وكارتر وبيجن، القائمون على ذلك المؤتمر أخذوا في الاعتبار شخصية السادات الملولة وقلة الصبر كأساس في عملية التفاوض، والتأثير بهدف الوصول به إلى نقطة التوقيع واللاعودة عن ذلك، حتى لو كان بأكبر الخسائر بالنسبة له ولمصر والأمة العربية، مع تحقيق أكبر المكاسب للعدو.
مثال آخر يرتبط بعدم الدقة وافتقاد التأني، في اتفاقية أوسلو بين المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، ورد في أحد بنودها انسحاب إسرائيل من أراض عربية، وهذا يمثل فخا كبيرا للمفاوض الفلسطيني إذ إن إسرائيل لم تلتزم وفق هذه الاتفاقية بأي مساحة حيث من الممكن أن تنسحب من أمتار وهذا يتفق مع ما وقّع عليه المفاوض الفلسطيني وقبل به. التعامل مع الغرب دون أخذ في الاعتبار للمبدأ البراجماتي والميكافيلي الذي يجعل المفاوض الغربي يصر على المكاسب المادية دونما اهتمام بالجانب الأخلاقي الذي يقيد المفاوض الآخر ويكون حاضرا في ذهنه ويؤرقه وربما يحد من مساحة حركته.