لا لهجرة السوريين.. لكن..

جمعني وبعض البريطانيين نقاش حول قضية اللاجئين السوريين. كان هناك بعض الجدل، تماما كما اختلفت الرؤى في الصحافة الدولية حول تسمية السوريين: هل هم "لاجئون" أم "مهاجرون". اعتقد البعض أنهم مهاجرون بهدف اقتصادي، أي ليسوا لاجئين يبحثون عن الأمان حرفيا، وإلا لكانت دول أقرب إليهم من ألمانيا مثلا ملجأ للأمان ـــ وهي الأكثر طلبا من السوريين، بدلا من الإبحار إلى دول معينة كلفتهم حياتهم. وذلك لأن كثيرا من الدول لا تقبل اللجوء إليها في حال مر اللاجئ على دول تقبل اللجوء قبل الوصول إليها. وكان الاستشهاد بما وثقته كاميرا ومقابلات الصحافة التلفزيونية الأوروبية بنوعية هؤلاء المهاجرين، حيث بدا أن أغلب من تدفقوا هم شباب في العشرينيات وما فوق، والقليل جدا من الأسر، وهذه النقطة صحيحة إلى حد ما.
ينشغل العالم الآن مع موضوع اللجوء بجدية، وتختلف سمات الجدية بحسب طبيعة التناول بين المصالح والموقف الأخلاقي. فحين غضب ديفيد كاميرون من الاتحاد الأوروبي لاتهامه بريطانيا بالتقصير، رد على الاتهام باستعراض تفصيلي بالأرقام حول التبرعات التي قدمتها بريطانيا والتي بلغت نحو مليار جنيه استرليني أنفقتها على ملاجئ السوريين في المنطقة منذ 2011. تصريحات كاميرون بالأرقام في المقابل أثارت احتجاج بعض البريطانيين الذين رأوا أنهم أولى بالأموال "لدينا عساكر متقاعدون لا يملكون منازل وفقراء ومشردون وقضايا اقتصادية". لا ننسى أيضا مليارات الدولارات التي أنفقتها كل من أمريكا ودول الخليج والدول العربية وغيرها. تكاليف الحروب كارثية وباهظة جدا على المستويين الإنساني والاقتصادي معا، وفوق ذلك على مستوى الدول المهاجر منها وشعوبها!
وجهت بعض الصحف ومن بينها بيان لمنظمة العفو الدولية، نقدا إلى بعض الدول، لا سيما الدول العربية ودول النفط الخليجية، حيث رأت أن دول الخليج لا يمكن أن تريح ضميرها بتقديم المساعدات المالية فقط. عدد الشعب السوري نحو 22 مليونا، وتستضيف دول الجوار السوري من المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى نهاية آب (أغسطس) أربعة ملايين وثمانية وثمانين ألفا وثمانية وسبعين لاجئا سوريا، بينما لا تستضيف دول العالم ـــ حتى الآن ـــ سوى بضعة آلاف. وربما هناك نوع من التحجيم لما تم تقديمه من الدول الخليجية، لا سيما السعودية التي قدمت الدعم والمعونات للسوريين في المخيمات، عوضا عن توفير إقامة زائر داخل السعودية في الفترات الماضية لكثير من السوريين، والذين لا أستطيع تحديد إحصائية دقيقة لهم الآن، ويشمل ذلك تعاملا خاصا في المدارس والمستشفيات ونظام الإقامة.
العالم يعاني أزمة لاجئين ـــ لا سيما من منطقتنا ـــ وهي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. اللجوء مسألة إنسانية، وهناك منظمات دولية تنظم شؤون اللاجئين. كما تفرض على الدول المستقبلة لهم واجبات قد تشكل عبئا عليها. وهذا واحد من أهم مخاوف الدول. كما قد يساور بعض الدول القلق من أن يؤثر تدفق اللاجئين إليها سلبا لا سيما من الناحية الأمنية. لكن الأكثر حساسية هو هل اللجوء مؤقت مع حفظ حق العودة ضمن القوانين الدولية، أم تجنيس وإسقاط الجنسية الأصلية.. مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الدول ترفض ازدواج الجنسيات كألمانيا. على كل حال، إن تهجير نسبة متزايدة من الشعب السوري أمر حساس للغاية. الأزمة لن تحل باستقبال المزيد من اللاجئين، بل بجدية حل الأزمة السورية في أسرع وقت، وفي الوقت نفسه ربما العمل على توفير ملاذات آمنة داخلها. لذا فعدم تشجيع هجرة السوريين يأتي في مقابله الضغط ومواجهة النظام السوري والمليشيات الإرهابية المتحاربة. وما قد ترغب فيه دول الخليج هو حقن دماء السوريين في الداخل، لا تشجيع المزيد منهم على الهجرة وإفراغ البلاد، وهو ما قد يوسع الجبهة لمزيد من الإرهاب. لذا فالأمر يتطلب جهودا دولية سريعة لمعالجة الوضع في سورية، والذي بدأ يتفاقم إلى حد مقلق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي