رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التدريب الحرفي أساس لمحاربة البطالة لكنه مهمل

من النادر أن تجد سعوديين يجيدون أو يشغلون مهنا حرفية ذات متطلبات تعليمية بسيطة. أما السعودة في هذه المهن الحرفية فمهملة تماما. لا يشك أحد في اعتمادنا المطلق أو شبه المطلق على الوافدين لأداء الأعمال الحرفية أو ما يسمى عند آخرين مهن الياقات الزرقاء blue collar jobs.
بقاء الوضع على حاله يعني تعميق مشكلة البطالة ومشكلة الاعتماد على الغير مع الوقت. كيف؟ نسبة كبيرة (النصف مثلا) من الوظائف حرفية، وعدد هذه الوظائف بالملايين. والواقع يقول إن ما يصنع (يخلق أو يستحدث) من وظائف حرفية يذهب كله تقريبا إلى غير سعوديين، وهذا بالضرورة صنع ويصنع بطالة ستزيد مع السنين، وصنع ويصنع بيئة خصبة للتستر والسعودة الوهمية. واتساع رقعة البطالة (وكذلك السعودة الوهمية) مفتاح شرور كثيرة أمنية واقتصادية واجتماعية.
لم تظهر المشكلة بقوة ووضوح خلال السنوات العشر الماضية، لأنها كانت سنوات طفرة. الطفرة في أي دولة تزيد الطلب على الوظائف. الوضع الآن تغير. أسعار النفط طاحت والطفرة انتهت. ولا طفرة أخرى في الأفق. والكلام عن المستقبل المنظور.
ما المطلوب؟ مطلوب أولا نشر وتحفيز التدريب الحرفي المهمل الذي لا يتطلب إلا تعليما بسيطا أقل من الثانوي.
من عجائب الزمن اشتراط جهات تمويلية لمشاريع شبابية صغيرة، توافر المهارة الحرفية في طالبي التمويل، لكنها أصلا غير متوفرة فيهم إلا أن يشاء الله. لا وجود لبنية تدريبية وطنية تكسب آلاف الشباب والشابات سنويا المهن الحرفية للعمل في مثل معارض وأسواق التجزئة الصغيرة والكبيرة والمخابز والحلويات والملاحم والمطابخ والمطاعم وصوالين الحلاقة وورش السيارات وغيار السيارات وقيادة وتشغيل الشاحنات والمعدات الثقيلة ومحال ومراكز الصيانة والخدمات الفندقية ومحال الأثاث والمفروشات والخياطة الرجالية والنسائية والإلكترونيات والاتصالات والمطابع وخدمات النقل والزراعة وغيرها.
كيف ننشر ونحفز التدريب الحرفي الموجه لصغار الشباب خاصة؟
مطلوب فتح مئات من برامج ومراكز التدريب المهني في المملكة، سواء بدوام كامل أو بدوام جزئي، بحيث تكون متاحة بسهولة لمن يرغب. كل مدينة كبيرة بحاجة إلى عشرات المراكز التدريبية، ويجب الاهتمام بأن يكون عدد كبير من تلك المراكز في الأحياء التي يبلغ متوسط دخل العوائل فيها عادة أقل من المتوسط، لأن شباب تلك الأحياء أكثر احتياجا، وصعب عليهم الالتحاق بمراكز بعيدة عن مساكنهم. وليس من الضروري أن يمكث المتدرب سنوات بدوام كامل في البرنامج التدريبي، بل المهم أن يجيد المهنة التي يختارها، حتى لو اكتسبها عبر تدريب جزئي مسائي. ويجب أن يركز التدريب على الناحية العملية أكثر من النظرية. وهناك وسائل عديدة لإغراء الشباب بالالتحاق في برامج ومراكز التدريب.
ما الشكل المؤسسي لمراكز وبرامج التدريب الحرفي؟
الرأي أن تنشأ مراكز لا تعتمد على ميزانية الدولة، بل تقوم على أساس تجاري مدعوم بطريقة ما من صندوق الموارد البشرية. حيث إن العدد المقترح كبير يبلغ المئات، وهذا مكلف إنشاء وتشغيلا.
كيف؟
أرى أن تؤسس شركة تملكها وزارة العمل أو المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أو صندوق تنمية الموارد البشرية أو يتشاركون بينهم، وقد يرى أن تكون الشركة مساهمة. وتتولى هذه الشركة تأسيس وتشغيل مراكز تدريب حرفية على أسس تجارية، وتقدم معها خدمات حرفية للجمهور بمقابل مالي. هذا يذكرني بواقعة إبان دراستي في أمريكا. أذكر صالون حلاقة في بوسطن كان يعرض خدماته بأسعار زهيدة وأسعار عادية. لماذا؟ هناك حلاق متدرب وحلاق مدرب، وللزبون الخيار في الاختيار، ولكل حلاق سعره.
يعمل في الشركة مدربون مؤهلون، وليس من الضروري أن يكونوا جميعا متفرغين. يعطى المتفرغون رواتب جاذبة لاستمرارهم في العمل، وتعمل آلية لعمل ومكافآت العاملين غير المتفرغين.
لا بد أن تعمل الشركة وفق أسس تجارية تضمن استمرار تقديم خدماتها دون حاجة إلى أن تكون عالة على المال العام، أعني إيرادات الميزانية. وهنا يكون دور لصندوق الموارد البشرية في دعم التدريب الحرفي في هذه الشركة، سواء بدوام كامل أو بدوام جزئي لاكتساب مهارات حرفية، تتفاوت مستوياتها. وفي ذلك منافع كثيرة.
خطوة التدريب ضرورية لكنها غير كافية، إذ لا بد أن تتبعها خطة سعودة جيدة تصميما وتنفيذا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي