حربك على نفسك
أقسى ما يمكن أن يحدث أن يكون الإنسان عدوا لنفسه، غير رحيم بها، ولا محبا لها، وأقسى من هذا كله كراهية النفس واحتقارها والعمى عن فضائلها، وحسناتها، وصفات الخير فيها
وهذا ما يريده كثيرون لنا كسعوديين، أن نشعر أننا أقل من كثرتنا في الخير، وأن نبصر أنفسنا أننا أكثر مما يجب في مواطن الضعف والعجز وانعدام الحيلة وسيئات الأعمال.
كأن حربا نفسية مبرمجة ولها العدة والعدد تتحرك كل يوم إلى مبتغاها من أنفسنا، وتستقطع كل يوم قدرا غير مردود من احترامنا لذاتنا الجامعة، ولوطننا المبسوط من عمقه حتى سواحله الممتدة.
تفكيك الانتماء، يتم تكوينه من خلال احتقار الهوية الوطنية، رموزها، حاضرها، وتاريخها، وموت الرجاء في مستقبل أفضل وأطهر وأجمل مما نحن فيه، وما نحن عليه.
إننا نكره أنفسنا، أو نحن قريبون كل القرب من هذه الكراهية فالمجتمع بات عدوانيا في لحظات الضعف، وعند انكشاف الستر وعند امتلاك قدرة انتهاك حرمة المستور من سقطات العباد وذنوبهم البشرية التي لا يملك الإنسان إلا أن يردها أو ترد عليه، إن لم يكن الله له وليا وعاصما، وأن لم يوفقه ربه برفع حجاب ستره عنه.
إننا نقتات على الأكاذيب في السياسة والاقتصاد والنظرة للمستقبل التي تخرج من فحيح المرجفين في المدائن التي يصنعها متربصون. هزيمة الدول تبدأ أول ما تبدأ في نفس شعوبها، في غياب الأمل، وسيطرة الخوف، والتولي عن الوحدة الجامعة، واليأس التام للجموع، ليكون الخلاص الفردي هو عقيدة الحاضر, وهو سلوك الأزمة في المستقبل.
السعوديون يحفرون قبورهم بألسنة الكذابين منهم وفيهم .. السعوديون يبنون حول ذواتهم الصغيرة أسوارا ما تجعلهم أصغر من وطنهم الكبير، تارة بحجارة من قبلية تمتد في العروق وتعبر في الدماء والعقول، وأخرى بطائفية تنتقي مفردات الكراهية والنبذ والتكفير. وفي الأمرين ينتهي السعوديون إلى كراهية أنفسهم أو إلى العجز عن الثقة والتقبل لبعضهم بعضا، والرهان على مستقبل واحد. لتحديات عسيرة وصعبة وقاسية باتت واقعا معاشا وليس رجاء معلقا بالغيب قريب الوقوع.
إني أولي وجهي حين أوليه إلى الغفلة عن الوعي الجمعي الذي بات ينسج يقينه في نفوس ملة الفضاء المبرمج الذي يقود اليقين فيما يريد الاستيقان به، وينثر الشك على حروف الطرق التي يريد لها أن تكون مزروعة بالشك وانعدام الثقة.
إننا سنخسر كل شيء إن خسرنا إيماننا بأنفسنا، إننا سنقتل أنفسنا بأيدينا إن لم نملك الحكمة في قيادة عقولنا، وسينفجر فينا أولادنا الذين فشلنا في صناعة يقينهم، فكانوا طعمة رخيصة لذئب صبور.
لا تنال الثعالب مناها إلا بغفلة الراعي عن غنمه, وقد غفلنا عن كل شيء أوله أولادنا في وعيهم وعقولهم ونظرتهم لله والحياة والدار الآخرة ومحبة الناس، والقدرة على التسامح والتقبل وحب الحياة والرضا بالموت بوصفه امتدادا للحياة والسطر الأخير في قصة خلودها.
عند حنجلة الحروب ترقص الأكاذيب، والإشاعات، وخطاب الهزيمة، وتكوين الخوف من الذات, لهزيمة الحاضر, وخسارة المستقبل.
بات ملح حياتنا الآن الكثير من الإيجابية، الكثير من الأمل الكثير من التفاؤل، والكثير من الصبر والرجاء في المستقبل، والنجاة بعزيمة الفعل في أن تسهم كل ذات في القبض على المجداف ورفع السارية وترقب حركة الريح الصحيحة وهي تتجه إلى المرسى والمرفأ والساحل المنبسط .. الذي فيه عطايا الله الموعودة لمن أحسن عمله، وصدق لله باطنه، وطهرت نواياه بالحب والفضيلة والخير. إنه اختبار عسير على السعوديين كوطن يمثل ذواتهم جميعا، وليس اختبارا فرديا ينجح فيه أناس ويسقط آخرون.