رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التغيير يبدأ بفكرة نحسن اختيارها

قانون التغير هو السائد فيما يبدو لنا في الحياة، يوم يعقبه يوم آخر، وصيف وشتاء، وحر وبرد، وقحط وخضرة، وفقر وغنى، وليل ونهار، وحتى الألوان لا يوجد لون واحد، بل عدة ألوان تبهج الناظر، حسب رغبته واختياراته. وإذا كان التغير محسوسا في الماديات فإنه غير مقصور عليها، فالمجتمعات يعتريها التغير والتبدل ولو أجرينا دراسة طولية تاريخية لذهلنا من حجم التغير الذي طرأ على المجتمع.
المجتمع السعودي مر بتحولات كبيرة خلال العقود الماضية في المجالات كافة، وبلا استثناء، حيث طال التغير المأكل واللباس، وتصميم البيوت، وأنواع المواد التي تبنى منها، إضافة إلى الأثاث والمقتنيات، كما أن وسائل المواصلات هي الأخرى تعرضت للتغير، فبدلا من وسائل المواصلات البدائية حلت محلها مواصلات متقدمة في تقانتها ومواد تسييرها.
الفرد، ومراحل النمو التي يمر بها منذ أن كان ترابا إلى كونه نطفة إلى علقة فمضغة ثم كساء العظام لحما لينشأ خلقا آخر ليمر بمراحل ما بعد الولادة كطفل، ثم المراهقة، والرشد، والكهولة، فالشيخوخة، ثم الوفاة. وإذا كان قانون التغير كما أشرنا هو السائد لذا لا بد لنا أن نبحث في الموضوع بعمق خاصة تغير الأفراد ليس نموهم الجسماني والتغيرات التي تظهر عبر المراحل العمرية المختلفة، بل تغير الاتجاهات والقيم وحالة الحب والكره والقبول والرفض للأشياء.
أساس التغير كما هو واضح ومؤكد علميا وواقعيا، مبعثه الرئيس يعود إلى طريقة التفكير من حيث القبول والرفض، فالفرد يمر بتجارب ومواقف قد تكون باختياره، أو من غير اختياره، ومع ذلك تصدر منه ردود فعل، إما إيجابية وإما سلبية إزاءها، حتى أن موقف الفرد ربما ينسحب على الأسرة والمجتمع بكامله، خاصة إذا كان الفرد مؤثرا وذا شأن في مجتمعه. كم من مجتمع رفض لفترة طويلة مستجدات حضارية ووقف خصما محاربا لها ومحذرا منها، ثم ما لبث أن لانت عريكته وتنازل عن موقفه الصلب، الرافض، كما في الراديو، والتلفزيون، وأنماط الحياة المختلفة. السر وراء التغير يتمثل في شيء اسمه الفكرة التي يحملها الفرد، أو الجماعة، فالفكرة مثلها مثل الوقود للسيارة، أو الطائرة، إذ لا يمكنها التحرك وأداء مهمتها دون الوقود.
إذا كان للفكرة هذه القوة وهذا التأثير فلماذا يأتي التأثير متأخرا وبعد رفض وعناد؟ الإنسان كما يقول المثل عدو ما جهل، فجهل الفرد بماهية الشيء، والوظيفة التي يؤديها يدفعه إلى الرفض، إلا أن قربه من الشيء وألفته به والتعرف عليه يكسر الحواجز النفسية التي تحول بينه وبين ما يرفضه، كما أن وعيه، وزيادة معرفته بالشيء تزيل الوحشة والمخاوف التي تنتابه.
المفتاح الرئيس، وكلمة السر في القبول والرفض وتبلور الفكرة هو التعليم، وسعة المعرفة سواء تم التعليم بصورة رسمية أو غير رسمية، ولذا نجد أن الفرد مثله مثل السراج في مجتمعه، إذ الفرد المتعلم قد يحدث تغييرا جوهريا في مجموعة، أو في المجتمع من خلال تغيير الأفكار، والقناعات حتى يحدث انقلابا جوهريا وتستبدل القناعات السابقة الرافضة التغيير بقناعات جديدة مختلفة تماما عن سابقتها.
الأفكار سواء كانت أفكارا إيجابية، أو سلبية ما هي إلا بناء، ومنظومة عقلية توجه الفرد، أو المجتمع لاختيار طريق الانفتاح و القبول للجديد خاصة إذا كان لا يتعارض مع الثوابت، أو اختيار طريق الانغلاق والرفض الذي يعوق الفرد والمجتمع عن النمو والأخذ بأسباب تحسين ظروف الحياة. الفرق بين المجتمعات في مقدار ما تحقق لها من نمو وتطور لا يمكن تفسيره إلا من خلال مفهوم التفكير السائد في المجتمع فعلى قدر ما يتمتع به المجتمع من مرونة وتقبل للجديد بمقدار ما ينمو ويتطور، وعلى قدر ما يسود فكر منغلق يرفض كل جديد ولا يسمح بالمستجدات يكون التخلف والتراجع في المجالات كافة.
إن سلوك الفرد وواقعه وكذلك المجتمع و ما يتم فيه من سلوكيات من عموم الناس فيه مرده الأفكار والمشاعر التي تتجسد فيهم سواء تم اكتسابها بالتوارث جيلا بعد جيل أو بفعل قراءات أو محاضرات أو برامج وأفلام. كل هذه وغيرها تغرس الفكرة لتنمو وتتحرك داخل الفرد ثم يصدر السلوك ورد الفعل إزاء الموضوع ذي العلاقة بالفكرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي