رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


استثمار يتراجع .. وأسعار ترتفع

انخفاض أسعار النفط من المتوقع أن يستمر خلال هذا العام والعام المقبل، لكن مع قيام شركات النفط بتأجيل خطط تطوير مشاريع الاستخراج الجديدة، يمهدون الطريق لحدوث انتعاش كبير في الأسعار في السنوات المقبلة. هناك عديد من الأسباب التي ذكرتها في مقالات سابقة تؤكد أن أسعار النفط قد تظل منخفضة مدة أطول من المتوقع سابقا، حيث إن الإنتاج من دول منظمة أوبك ومن خارجها لا يزال مرتفعا في ظل انخفاض أسعار النفط. كما أن الشكوك في قوة الاقتصاد العالمي تثير التساؤلات حول استمرار قوة الطلب على النفط.
في الأسبوع الماضي، انخفضت أسعار النفط إلى مستويات متدنية جديدة في ست سنوات؛ حيث انخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 40 دولارا للبرميل، جزء كبير من الانخفاض يعزى إلى خفض قيمة العملة في الصين وعلامات التحذير بخصوص اقتصادها. في الواقع، ثاني أكبر اقتصاد في العالم فجأة بدا غير مستقر، حيث إن تباطؤ النمو الاقتصادي، تذبذب أسواق الأسهم، وانخفاض قيمة العملة المفاجئ أخذت الأسواق العالمية على حين غرة. هذه التداعيات قد تمثل أخبارا غير سارة، ليس فقط بالنسبة إلى الصين، ولكن أيضا بالنسبة إلى عدد كبير من البلدان التي تعتمد على التصدير إلى الصين.
في ناحية المطاف، انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى تراجع في الإنتاج، حيث إن المنتجين ذوي التكلفة العالية سيقومون بإرجاء المشاريع. ولكن ذلك سيحدث ببطء، حيث إن الآبار الحالية ستستمر في الإنتاج. بعض شركات النفط بدأت تشهد انخفاض أسعار النفط لما دون تكاليف التشغيل، خاصة في كندا؛ حيث إن إنتاج الرمال النفطية مرتفع التكاليف، وفي الوقت نفسه يباع بسعر أقل من خام غرب تكساس الوسيط.
في هذا الجانب، يشير تقرير صدر حديثا إلى أن بعض الشركات الكندية تواجه خسائر مالية حتى في المشاريع القائمة، لكنها مع ذلك مستمرة في الإنتاج، ذلك أن إغلاق الآبار قد يكون مكلفا، وإعادة الضخ في وقت لاحق قد تكون مكلفة أيضا، وليس من السهل القيام بها في بعض الحالات. لذلك على الرغم من خسائرهم على كل برميل ينتج، ليس لديهم خيار آخر سوى المضي في الإنتاج على أمل تحسن الظروف.
إذا ما كانت المشاريع القائمة تواجه ضغوطا عالية، فحتما تطوير مشاريع جديدة لن يكون في متناول عديد من الشركات، حيث تجبر الشركات على الاقتصاد في النفقات وخفض التكاليف، على أمل أن تنجو من الانكماش الحالي في الأسعار. لذلك ليس من المتوقع أن يتم تطوير حقول جديدة، ولا سيما المشاريع العالية التكاليف، مثل حقول المياه العميقة، وحقول منطقة القطب وغيرها. على سبيل المثال، عقدت الحكومة الفيدرالية الأمريكية مزادا يوم 19 آب (أغسطس) على حقول النفط البحرية في خليج المكسيك، وكانت النتائج مخيبة للآمال؛ حيث قدمت خمس شركات فقط العطاءات، وبيع 33 عقد إيجار فقط، يعتبر هذا أسوأ أداء في ثلاثة عقود في المنطقة الغربية لخليج المكسيك.
وعلى الرغم من خيبة الأمل فإن نتائج إيجار هذه الجولة لم تكن مفاجئة، وتعكس بدقة البيئة الحالية من انخفاض أسعار السلع الأساسية، وزيادة التغييرات في النظم، وعدم اليقين في الأسواق. مجمل صناعة النفط والغاز الطبيعي، خاصة في قطاع الحقول البحرية، لأسباب مفهومة يكونون حذرين جدا من الإنفاق العالي.
في تموز (يوليو)، قدر تقرير صادر عن شركة وود ماكينزي، أن نحو 46 مشروعا كبيرا للنفط والغاز بقيمة تطوير إجمالية تقدر بنحو 200 مليار دولار، قد تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى. هذه المشاريع تشمل تطوير 20 مليار برميل من النفط المكافئ من الاحتياطيات. كندا تعتبر المتضرر الرئيس؛ حيث تم تأجيل مشاريع بقيمة 5.6 مليار برميل من الاحتياطيات، مما لا شك فيه أن قائمة المشاريع المؤجلة أو الملغاة ستستمر في النمو مع بقاء أسعار النفط منخفضة. مشاريع النفط والغاز العملاقة التي تم تأجيلها، على سبيل المثال حقول خليج المكسيك وغرب إفريقيا البحرية، والرمال النفطية الكندية، تستغرق عدة سنوات لتطويرها. وليس من المتوقع أن يبدأ معظمها بالإنتاج هذا العام أو العام المقبل، لكن على أقل تقدير بعد عدة سنوات.
من المرجح أن يستمر خفض النفقات، وتراجع مستويات النشاط العام للشركات في هذا العام والعام المقبل. ولكن بعد ذلك، من الممكن أن تنتعش أسعار النفط بقوة. على الرغم من أن هذا الانتعاش لا يزال بعيدا، إلا أن سنة 2017 على ما يبدو ستكون سنة انتعاش مهمة؛ حيث يتوقع عديد من المحللين أن ترتفع أسعار النفط فوق 70 دولارا للبرميل بحلول ذلك الوقت.
بعد ذلك، من الممكن أن تتشدد الأسواق أكثر؛ حيث تعاني حقول النفط الناضجة من الانخفاض الطبيعي في الإنتاج، بمعدل تقريبي بين 4 و5 في المائة سنويا. وهذا يعني أن الحقول الجديدة يجب أن تبدأ بالإنتاج فقط لتعويض الحقول القديمة الناضبة. لكن فيما عدا موارد النفط الصخري في أمريكا الشمالية ودول منظمة أوبك، فإن باقي مناطق العالم لم تحقق الكثير من المكاسب في إنتاج النفط حتى قبل أن تنهار الأسعار في العام الماضي. كانت معظم المشاريع الجديدة في هذه المناطق تعوض فقط الانخفاض الطبيعي في إنتاج الحقول الناضجة.
لكن الآن، مع قيام الشركات بتأجيل أو إلغاء الكثير من المشاريع العملاقة في المياه العميقة ومصادر الرمال النفطية، سيؤدي هذا إلى شح في الإمدادات الجديدة على المدى المتوسط. ومع استمرار نمو الطلب على النفط عاما بعد عام، من المتوقع أن ترتفع أسعار النفط بقوة بحلول نهاية العقد الحالي، عندما تبدأ الأسواق بالفعل تشعر بنقص إمدادات النفط الجديدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي