رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما رأي مدينة الملك عبدالعزيز ومراكز الأبحاث في الجامعات السعودية؟

في هذه الأيام يكثر الحديث عن الاقتصاد السعودي وما يتعرض له من مشاكل بسبب انخفاض أسعار البترول، وما ترتب عليه من انخفاض ملحوظ في إيرادات الدولة.
ومع كل أزمة يمر بها البترول، يطرح الاقتصاديون في المؤسسات الدولية والمالية، أفكارا مبعثرة عن الأخطار المحدقة بالاقتصاد السعودي، وضرورة البحث عن موارد جديدة للاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل، مع عدم الاعتماد على مصدر واحد وهو البترول.
والحقيقة إن المملكة الآن في حاجة إلى مشروع وطني ضخم يحميها من انتكاسات البترول، التي يبدو أنها ستتكرر حتى يتراجع البترول عن موقعه الرئيس في الاقتصاد الوطني السعودي.
ومن المشاريع التي طرحت في الأيام القليلة الماضية فكرة شق قناة مائية تربط البحر الأحمر غربا بالخليج العربي شرقا، ويشير المقترح إلى أن تبدأ القناة في البحر الأحمر على بعد 200 كيلومتر من قناة السويس داخل المياه الإقليمية السعودية، وبالنسبة للخليج العربي على بعد 200 كيلومتر من الحدود الكويتية داخل المياه الإقليمية السعودية، على أن تمتد من البحر الأحمر غربا إلى الخليج العربي شرقا بطول 1300 كيلومتر تقريبا، وبعرض يتراوح بين 300 و400 متر، كذلك تقدر الدراسات الأولية التي صدرت في العاصمة اللبنانية بيروت، أن القناة ستوفر من 30 إلى 75 في المائة من الوقت المستهلك حاليا في التجارة والنقل.
وبالمقارنة بقناة السويس فإن عدد السفن التي تمر عبر قناة السويس حاليا نحو 20 ألف سفينة سنويا، ما يمثل من 50 إلى 60 في المائة من التجارة العالمية، وهذه السفن تمر عبر قناة السويس وتجتاز البحر الأحمر، فمضيق باب المندب، ثم بحر العرب، ثم مضيق هرمز، ولكن قناة الربع الخالي ستربط عمليات النقل البحري من الخليج إلى قناة السويس مباشرة.
كذلك ستوفر القناة فرص عمل كبيرة داخل المملكة، ما سيقلل من نسبة البطالة التي باتت تقلق الحكومة، كذلك فإن القناة ستشجع السعوديين على السياحة الداخلية؛ حيث إنهم ينفقون حاليا نحو 60 مليار ريال كل عام تقريبا على السياحة الخارجية.
وتقدر الدراسة أن المشروع سيؤمن مدخولا لخزانة الدولة يقدر بأكثر من 100 مليار دولار سنويا.
وستطل القناة على مدينة الرياض العاصمة، كما تطل على كثير من مدن منطقة الرياض، وستكون لها تأثيرات مناخية متعددة، فستنخفض درجة الحرارة من 12 درجة إلى 10 درجات، وتؤدي إلى زيادة في تساقط الأمطار، الأمر الذي سيوفر أراضي زراعية شاسعة داخل المملكة، وستتمكن الحكومة السعودية من إقامة محطات التكرير وتحلية المياه على مسافات قريبة من المدن المطلة على القناة، كما ستسمح قناة الربع الخالي بإقامة مدن صناعية وسياحية، وإنشاء شبكة مواصلات ومحطات لتوليد الكهرباء تستفيد منها المملكة وكثير من دول الخليج والدول العربية.
بمعنى أن المشروع المطروح للبحث إذا قدر له أن يرى النور، فإنه سيحدث تغييرا واسعا في جميع أوصال المملكة وتكويناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
والواقع أن هذا المشروع يعيد إلى الأذهان المشروع الذي سبق لوكالة ناسا الأمريكية أن أصدرت تقريرا عن صحراء الربع الخالي من خلال ما يعرف بـ "دورة الطقس أو دورة المناخ"، وأكدت "ناسا" أن هنالك دورة للكرة الأرضية حول نفسها وحول الشمس ومحورها الأرض، وبسبب هذا الدوران والميلان تعاقب الفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف، ولقد كانت درجة ميلان المحور ـــ قبل آلاف السنين ــــ أكبر مما هي عليه اليوم، ولذلك فإن الأرض كانت تمر بعصور يسمونها العصور الجليدية.
وبعد استخدام تقنيات المسح عن بعد، اكتشف علماء "ناسا" آثار الغابات الكثيفة والمروج التي كانت تمتد آلاف الأمتار، بمعنى أن منطقة الربع الخالي كانت ذات يوم مغطاة بالأنهار والبحيرات العذبة والنباتات والمروج، وأن هذه المنطقة كانت في ذلك الزمن السحيق أشبه بأوروبا اليوم، التي تتمتع بالأنهار والخضار والمروج.
من ناحيته، فقد أكد الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الأمريكية، أن نهرا يمتد مسافة طويلة دفنته رمال الصحراء في الربع الخالي، وهذا النهر كان موجودا قبل ستة آلاف سنة، ويبلغ عرضه ثمانية كيلومترات وطوله 800 كيلومتر، وكان يعبر قلب الجزيرة العربية. وكان ينبع من جبال الحجاز، ويمتد ويتفرع إلى دلتا تغطي أجزاء كبيرة من الكويت، حتى يصب في الخليج العربي، وهذا الاكتشاف يتناغم مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا".
ولكن الواضح أن المسؤولين لم يتخذوا حتى الآن مبادرات تجاه هذه الاكتشافات النهرية المؤكدة، والآن التاريخ يعيد نفسه وتبرز دراسة أخرى توصي ـــ كما ذكرنا ـــ بشق قناة في قلب جزيرة العرب تربط بين البحر الأحمر والخليج العربي على النحو الذي فصلناه.
وفي ظل الظروف السياسية الراهنة، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن شق قناة الربع الخالي سيضع حدا للتهديدات الإيرانية التي ما فتئت تطلقها حكومة الملالي ــــ بين الآونة والأخرى ـــ بأنها ستقفل مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية.
طبعا المشروع ما زال حلما، والحلم يحتاج إلى دراسات سياسية واقتصادية وبيئية وفنية عميقة الأبعاد يقوم بها مختصون عالميون، وننتظر من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وكذلك من مراكز الأبحاث في الجامعات السعودية، أن تقول كلمتها، وألا تصمت أمام قضية وطنية تتطلب مشاركة وحشد كل الجهات ذات العلاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي