السعوديون والسياحة الاستعراضية
لا يخفى على أحد أهمية السياحة والاستجمام للفرد وأفراد العائلة بشكل عام. فلم تعد السياحة ترفا كما كانت في السابق، بل أصبحت ضرورة تحتمها علينا نوعية الحياة التي نعيشها والأعمال التي نؤديها. فالفرد بعد عناء عام كامل من العمل الفكري والجسدي يحتاج بالفعل إلى أن يرفه عن نفسه ويجلب الاسترخاء والراحة إلى بدنه وعقله وذهنه.
وقد كان ينظر إلى السفر على أنه نوع من الفائدة الممزوجة بالمشقة والتعب ولكن بعد أن توافرت وسائل النقل الحديثة اختلفت النظرة إلى السفر، فلم يعد ذلك العناء والتعب والمشقة كما كان في السابق فيتخلله كثير من اللذة والمتعة وعلينا جميعا أن نستفيد ونستمتع بالسفر ونتحمل مشقته فلذيذ العيش في المشقة والنصب كما قال الشافعي. وقبل أن نخوض في صلب الموضوع دعونا نلقي الضوء على نظرة الناس إلى السفر والسياحية في أيامنا هذه.
ينقسم الناس بشكل عام عند سفرهم إلى عدة أقسام. قسم يرى السفر لهوا ومتعة فقط ويمارس كل ما يخطر على باله من سلوكيات حتى لو تتناقض مع مبادئه وما اعتاد عليه، فلا يهم أي سلوك طالما ذلك يجلب له المتعة حتى لو كفر بالمبادئ وتخلى عن القيم والعادات التي اكتسبها. صنف آخر على النقيض تماما يرى السفر جزءا من العلم والعمل والخبرة ويجب أن يستفيد من كل مكان وكل زمان وكل معرفة فيحاول أن يزيد إلى خبراته ويكتسب من معايشة الشعوب والأمم. فيزور المكتبات ويطلع على الآثار ويتداخل مع أهل البلاد الأصليين ويتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وأحوالهم من أجل الاستفادة وليس غير الاستفادة.
صنف ثالث يخلط الفائدة بالمتعة ويرى هذا الصنف أن السياحة في الأصل ترفيه ومتعة ولكنه لا يمانع عندما تتاح له فرصة أن يطلع على أحوال الشعوب وإرث الأمم وكيف يتعامل الناس ويفكرون ويعتقدون. صنف رابع يسافر ويستاح ولكن لا يدري لماذا يسافر؟ وإلى أين يذهب؟ ولماذا يفعل كل ذلك؟ وهذا الصنف يحركه العقل الجمعي فلا يدري لماذا يسافر الناس ولماذا يستاحون ولكنه يجد نفسه يتتبع خطاهم ويقلد سلوكياتهم.
صنف خامس يسافر ليس من أجل السفر ولا المتعة ولا السياحة ولا التقليد، بل من أجل أن يقال عنه إنه سافر. لا يهم كم يمكث؟ ولا يهم أين يذهب؟ ولا يهم نوعية المتعة التي حصل عليها أو الخبرة التي اكتسبها؟ ليس لرحلته أهداف إلا هدفا واحدا مبطنا وهو أن يعرف كل من له علاقة به أنه سافر مع عائلته إلى مغرب أو مطلع الشمس. فنراهم يوثقون كل ما تقع أعينهم عليه من قبل دخولهم صالة المطار حتى مغادرتهم إلى بلادهم في طريق العودة. ولا يتوقف الوضع عند هذا الحد بل ينشرون أحداثهم اليومية على معارفهم في بلادهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ساعة بساعة. وتبتهج أنفسهم وتطرب قلوبهم عندما يتناقل الناس أن فلانا اليوم في روما وغدا في باريس وبعده في لندن وهذا أقصى غايته وقمة طموحه.
وهذا للأسف الشديد طبع الغالبية العظمي خصوصا في مجتمعنا الخليجي والأغلب في مجتمعنا السعودي. غالبية السعوديين لا يسافرون للترفيه ولا للثقافة ولا لزيارة الآثار ولا لاكتساب المعارف بل ليقال إنهم سافروا. والعجيب أن جزءا كبيرا منهم يستدينون من المصارف ومن المؤسسات المالية أو قد يقترون على أنفسهم خلال العام من أجل إرواء هذه الرغبة ومن أجل أن يرسخوا في أذهان الناس أنهم يسافرون في الصيف وهذا لعمري هو الجهل المطبق بعينه فهو لم يستفد من المال الذي اقترضه ولم يستفد من البلاد التي زارها.
ينبغي أن نعرف جميعا أن للسفر آليات وسلوكيات ينبغي علينا أن نعرفها ومن ثم نطبقها خصوصا السفر من أجل السياحة. أرى أن من يرغب في السفر من أجل السياحة عليه أن ينقطع عن البيئة التي يقطنها فيغلق جواله ووسائل الاتصال الأخرى ولا يتصفح حتى بريده الإلكتروني طوال فترة سفره وعليه أن يختلي بنفسه وعائلته فهي فرصة للخلوة مع الذات ومع العائلة من أجل أن يعرف ماذا حقق خلال العام الماضي؟ وأين وصل في طموحاته؟ ومن الأفضل ألا يخبر أحدا عن وجهته إلا لشخص يثق به من أجل أي طارئ قد يحدث لا سمح الله. أما من يسافر وقد سبق سفره حملة إعلانية فيخبر من يعرف ومن لا يعرف أنه مسافر في يوم كذا وعبر مطار كذا ثم يشاطرهم الأحداث حية على الهواء عبر "الواتساب" وغيره ويصور لهم مباشرة ما يراه فهذا لم يستمتع بالسفر ولم يغير شيئا لأن بيئته سافرت معه ولا أظنه سيشتاق إليهم أو يشتاقون إليه فهم صحبة منذ البداية حتى العودة.
نتمنى من الجهات المعنية في بلادنا أن تقوم بتوعية هؤلاء الذين يبذلون أموالهم من أجل السفر والسياحة ثم لا يعرفون كيف يحققون أهدافهم ببرامج تلفزيونية ونشرات إلكترونية وحلقات وورش عمل في المواقع العامة كالغرف التجارية ونحوها حتى يتثقف هؤلاء ويعرفوا كيف ينتفعون من سفرهم وسياحتهم فإذا لم يحقق السفر لك المتعة ويزيد من فهم الحياة فما الفائدة من بذل المال والوقت؟
ينبغي أن يبذل السائح مزيدا من الوقت قبل السفر بعدة أشهر ويخطط لرحلته بدقة. فيعرف وجهته (إلى أي بلد يذهب هذا العام)؟ ولماذا هذا البلد بالذات؟ عليه أن يسأل نفسه سؤالا بسيطا "ما الفائدة التي تعود عليَّ وعلى أسرتي عند زيارتي لهذا البلد؟ ولماذا هذا البلد بالذات" لا يهم أن يعرف الناس أنك سافرت، ولا يهم من يؤيدك أو من يعارضك، المهم الفائدة والمتعة والمعرفة والخبرة ولنبتعد عن السفرات الاستعراضية الخاوية فهذا سلوك الجهلة ونحن نربأ بمواطنينا من كل هذا.