التناقض بين فائض العرض وزيادة الاستهلاك
في بداية الأسبوع الماضي، أشار التقرير الشهري لـ"أوبك" إلى أن إنتاج المنظمة وصل إلى أعلى مستوياته في ثلاث سنوات. وفي الوقت نفسه، رفعت المنظمة من تقديراتها لإمدادات النفط من الدول غير الأعضاء لعام 2015، ما يدل على أن انهيار أسعار النفط يحتاج إلى وقت أطول من المتوقع ليؤثر في إمدادات الولايات المتحدة من النفط الصخري وغيرها من المصادر المنافسة.
في المقابل، خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها الشهري، الذي صدر في اليوم نفسه، من تقديراتها لإنتاج النفط في الولايات المتحدة لعامي 2015 و2016، علامة على أن تراجع الأسعار بنحو 60 في المائة منذ الصيف الماضي قد بدأ يلقي بظلاله على إنتاج النفط الصخري. حيث قامت الإدارة بخفض توقعات نمو النفط الخام في الولايات المتحدة للعام الحالي بنحو 100 ألف برميل في اليوم إلى 650 ألف برميل في اليوم. وفي الوقت نفسه، ضاعفت من توقعات تراجع الإنتاج لعام 2016 بنحو 400 ألف برميل في اليوم من انخفاض 150 ألف برميل في اليوم في تقريرها السابق.
بعد يوم واحد من صدور تقرير "أوبك" وإدارة المعلومات، لاحظت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري أن المعروض العالمي انخفض تقريبا بنحو 600 ألف برميل في اليوم في الشهر الماضي، بصورة رئيسة بسبب انخفاض الإنتاج من خارج "أوبك". على الرغم من أن انخفاض التكاليف وتحسين الكفاءة سوف يساعدان على تعويض بعض تخفيضات الإنفاق، إلا أن الإمدادات قد تتأثر قريبا. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يتباطأ نمو الإمدادات من خارج "أوبك" بصورة حادة من مستوى عام 2014 القياسي من 2.4 مليون برميل في اليوم إلى 1.1 مليون برميل في اليوم هذا العام، ومن ثم سوف ينكمش بنحو 200 ألف برميل في اليوم، الولايات المتحدة سوف تكون الأكثر تضررا.
في ساعة كتابة هذا المقال كان سعر خام برنت القياسي لأقرب شهر كان بحدود 49 دولارا للبرميل، قرب أدنى مستوى وصل إليه في عام 2015 منخفضا نحو 18 في المائة في شهر تموز (يوليو). مع ذلك، لم تقم "أوبك" بخفض إنتاجها وواصلت السعي إلى استعادة حصتها في الأسواق عن طريق محاولة إبطاء الإنتاج المرتفع التكاليف في الولايات المتحدة وأماكن أخرى الذي استفاد من ارتفاع الأسعار في الفترة السابقة.
في وقت سابق من هذا العام، خفضت "أوبك" توقعاتها لإمدادات النفط من خارج دول المنظمة لعام 2015، حيث كانت تتوقع أن الأسعار المنخفضة سوف تؤثر سلبا في نمو الإمدادات. لكن في تقريرها الأخير، رفعت من توقعاتها بنحو 90 ألف برميل في اليوم بعد أن رفعته أيضا بنحو 220 ألف برميل في اليوم في الشهر الماضي.
المفارقة أنه في الوقت نفسه، قامت إدارة معلومات الطاقة بخفض توقعاتها للإمدادات من خارج "أوبك" بمقدار 50 و80 ألف برميل في اليوم لعامي 2015 و2016 على التوالي مقارنة بتقرير الشهر السابق. على الرغم من انخفاض الأسعار، تمكنت شركات النفط الأمريكية في الأسابيع الأخيرة من زيادة عدد منصات الحفر العاملة، على أثر ذلك رفعت "أوبك" في تقريرها الأخير توقعاتها لإنتاج الولايات المتحدة بنحو 20 ألف برميل في اليوم لعام 2015. في شهر آذار (مارس)، كانت "أوبك" تتوقع انخفاض الإنتاج الأمريكي في أواخر عام 2015، لكن بيانات إدارة معلومات الطاقة التي صدرت أخيرا تبين أن الإنتاج الأمريكي بلغ ذروته في آذار (مارس).
على ما يبدو أن "أوبك" بدأت التعرف على مرونة موارد النفط الصخري في الولايات المتحدة لانخفاض الأسعار. حيث إن انخفاض تكاليف المشاريع النفطية منذ انهيار الأسعار ساعد الإمدادات من خارج "أوبك" على المنافسة في الأسواق. تكاليف المشاريع قد انخفضت كثيرا ومستمرة في الانخفاض بشكل خاص في موارد النفط الصخري، حسب أحدث البيانات. بالفعل تقوم "أوبك" بإعادة تقييم قدرة الإمدادات من خارج المنظمة على تحمل تقلبات الأسعار. لكن، "أوبك" لا تزال ترى تباطؤا كبيرا في نمو المعروض من خارج المنظمة في العام المقبل وتصر على موقفها بأن ارتفاع الطلب العالمي على النفط سوف يؤدي إلى تآكل الفائض في الأسواق.
ويشير تقرير المنظمة أيضا إلى استمرار أعضائها بضخ مزيد من الإمدادات. ووفقا للمصادر الثانوية التي أوردها التقرير، أنتجت "أوبك" في شهر تموز (يوليو) نحو 31.51 مليون برميل في اليوم – أي 1.5 مليون برميل في اليوم أعلى من الهدف المتفق عليه. ويتوقع التقرير أن يبلغ متوسط الطلب على نفط المنظمة في عام 2015 نحو 29.23 مليون برميل في اليوم – تقريبا معدل الشهر الماضي نفسه – ويشير التقرير إلى أن الفائض في الأسواق سيبلغ 2.3 مليون برميل في اليوم إذا استمرت المنظمة بضخ معدل شهر تموز (يوليو) نفسه. لكن وفقا للمعلومات المباشرة من الدول الأعضاء، قلصت المملكة العربية السعودية إنتاجها بنحو 200 ألف برميل في اليوم إلى 10.36 مليون برميل في اليوم في شهر تموز (يوليو)، انخفاضا من معدل شهر حزيران (يونيو) القياسي.
على جانب الطلب، يتوقع تقرير وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط في عام 2015 بأسرع معدل له في خمس سنوات. لكن على الرغم من هذا الارتفاع في الطلب، انخفاض أسعار النفط وخفض الإنفاق سوف يستمر بالتأثير سلبا في المنتجين من خارج "أوبك"، كما أشرت سابقا. وأوضحت الوكالة أن زيادة الاستهلاك العالمي للنفط ستستمر بوتيرة متسارعة هذه السنة مدفوعة بانخفاض الأسعار والنمو الاقتصادي العالمي. في ضوء ذلك، تتوقع الوكالة أن ينمو الطلب العالمي على النفط في عام 2015 بنحو 1.6 مليون برميل في اليوم، بارتفاع 200 ألف برميل عن التقرير السابق. كما توقعت ارتفاع الطلب في 2016 بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا أي بزيادة 410 آلاف برميل يوميا عن توقعاتها السابقة.