رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ومن أظلم ممن سعى في خراب المساجد

تعارفت الإنسانية منذ القدم على تجريم التعرض لأماكن العبادة مهما كان نوعها، خصوصا إذا كانت لمعتنقي الرسالات السماوية وتقديس المولى -عز وجل- والصلاة فيها. وقد أكد الدين الإسلامي ضرورة احترام أماكن العبادة وضمن سلامة من فيها حتى لو كانوا من المشركين الذين أشهروا عداوتهم للإسلام، حيث أمر الله -سبحانه وتعالى- الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعدم قتال المشركين في المسجد الحرام إلا إذا قاتلوا المسلمين فيه. وجاء هذا الأمر ليؤكد ضرورة احترام قدسية أماكن العبادة خصوصا بيوت الله -سبحانه وتعالى- التي تقام فيها أهم فريضة من فرائض الدين ألا وهي الصلاة. وتفجع الأمة الإسلامية هذه الأيام بأحداث أليمة في كثير من بلاد المسلمين من قتل وحرق، وذبح، وتمثيل بالجثث، وهتك للأعراض، وانتهاك للحرمات، ونهب وسلب، وتعذيب، وتهجير، وتطهير عرقي ومذهبي، وتجويع للأبرياء بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى. ولم يكتف الطغاة والمجرمون بهذه الأفعال الشنيعة والمنحطة والدنيئة بل انتهكوا حرمة أقدس الأماكن وأحبها إلى الله ألا وهي المساجد. وجاءت مهاجمة مسجد قوات الطوارئ في أبها كآخر الأحداث الشنيعة التي يقوم بها الطغاة والمخربون والمعتوهون ضد بيوت الله. وقتل في التفجير الإرهابي الإجرامي عدد من إخواننا وهم آمنون مطمئنون ساجدون راكعون في بيت من بيوت الله، جعلهم الله في قائمة الشهداء وعظم الله أجر أهاليهم.
ولقد لعن الله قاتل المسلم المتعمد في أي مكان بغض النظر عن منصبه أو مكانته أو اسمه ووعده بالتخليد في النار. ولا ينبغي لمسلم قتل أي مسلم عمدا، فما بالك بمن يقتله وهو قائم في المسجد يصلي ويركع ويسجد. ولا أدري كيف يهاجم "أو يؤيد أو يتعاطف" شخص فيه ذرة من العقل أو به شيء من الإيمان أناسا آمنين مطمئنين يؤدون الصلاة ويذكرون الله ويطلبون ثوابه. ألا يستحضر هؤلاء أن المساجد تسمى بيوت الله، وأن من فيها هم في ذمة الله، وضيافته وحمايته. ألا يدرك هؤلاء أنهم يتعدون على حرمات الله ويؤذون ضيوفه، وأنهم بذلك يمنعون ذكر الله ويسعون في خراب المساجد. وقد توعد الله كل من يفعل ذلك بالخزي في الحياة الدنيا والآخرة. وأنا أقول لكل من يتعدى على بيوت الله ويسعى في خرابها كائنا من كان سواء كان طاغية متجبرا متعجرفا من طواغيت الأرض أو مهووسا تابع له، سيلحق بك الخزي والعار في الحياة الدنيا والآخرة، ولن ينصرك الله مهما عملت وتظاهرت بالتدين أو استندت إلى فتاوى ضالة مضلة زينها الشيطان في قلبك وقلوب الضالين مثلك.
وتتسم مهاجمة بيوت الله وقتل الآمنين الراكعين الساجدين بالغدر واللؤم والشناعة والفظاعة وهي أفعال فيها ظلم وجور وإجرام وإفساد كبير في الأرض. وإضافة إلى إهدار الدماء الزكية وإزهاق النفوس الطاهرة، يقوم المعتدون على بيوت الله بتخويف وترهيب المسلمين من الذهاب إلى المساجد وهم بذلك يمنعون ذكر الله فيها ويقللون من مرتاديها. كما يهينون بيوت الله بسفك الدماء فيها وإشاعة الرعب بين مرتاديها ويعبثون ويخربون محتوياتها. كما يهينون بأفعالهم المصاحف الشريفة الموجودة في المساجد من خلال تمزيقها في تفجيراتهم الخبيثة، وإحراق بعض أوراقها، وضياع بعض منها، أو تدنيسها، أو تعريضها للأوساخ الناتجة عن الإنفجارات وتهاوي الأتربة ومخلفات البناء ودماء القتلى والمصابين.
لقد جاءت هذه الأفعال نتيجة لانتشار فتاوى التكفير وإباحة الانتحار وسفك الدماء بين بعض المسلمين. وقد استغل الضالون المضلون هذه الفتاوى لدفع ضعاف العقول للانتحار وسموها زورا وبهتانا استشهادا. والمنتحر هو من يتعمد قتل نفسه، سواء قتل نفسه لوحده أو قتل معه آخرين. ومن يضع المتفجرات في داخل جسمه أو في مركبة يقودها بنفسه هو منتحر مهما سمى نفسه ومهما قتل. وقد حرم كبار علماء الأمة في هذا العصر "مثل الشيخ ابن باز، والشيخ الألباني، والشيخ العثيمين -رحمة الله عليهم- العمليات الانتحارية حتى ضد إسرائيل. فإذا كانت العمليات الانتحارية محرمة ضد الأعداء فتحريمها ضد المسلمين أشد وذنبها أعظم، أما استهداف المساجد فهو بلاء عظيم ودرجة انحطاط منقطع النظير. ويرتكب من يفعل ذلك في بيوت الله فظائع إضافية وذنوبا عظيمة فهو منتحر وقاتل ومدنس لحرمة بيوت الله وساع في خرابها. وقد كثرت أيضا فتاوى التكفير التي يعتمد عليها الطغاة والإرهابيون في قتل الناس وسفك الدماء وأصبح جزء كبير من المسلمين إن لم يكن أغلبهم كفارا في نظر المكفرين. واستند الإرهابيون والظلمة والطغاة على إزهاق الأنفس بفتاوى التكفير الباطلة، مع أن كثيرا من علماء المسلمين حرم القتال في بلاد المسلمين بين المسلمين. ويتحمل علماء المسلمين ورجال الفكر والدعاة والمؤسسات المتخصصة والإعلام المسؤول والموثوق به مسؤولية التصدي لهذه الفتاوى، وبيان بطلانها، وإنارة الرأي العام حول الموقف الصحيح في قضايا التكفير والانتحار وسفك الدماء، ونشر وإعلان فتاوى كبار العلماء في هذه القضايا الذين فندوا فتاوى إجازة الانتحار والتكفير وسفك الدماء. وينبغي على المؤسسات الرسمية والبحثية جمع المعلومات المتعلقة بهذه الجماعات، ووضع الدراسات حول أساليب المكر التي يتبعونها للإيقاع بصغار السن، ودراسة سلوكيات وأنماط الأشخاص الذين تمكنت هذه الجماعات من التلاعب بعقولهم وتجنيدهم. كما تتحمل الأسر مسؤولية مراقبة تصرفات صغار السن ممن يمكن ابتزازهم وتجنيدهم من قبل الجماعات الضالة. وعلى المجتمع والأمة الإسلامية أن تصحو من سباتها وأن تتصدى للطغاة والظلمة والإرهابيين الذين اعتدوا على بيوت الله وعلى حرمات المسلمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي