الأهمية الاستراتيجية للنفط الصخري لدول الخليج

قرأت عن الموضع الذي تتضمنه ثنايا عنوان رسالة هذا الأسبوع كمّا كبيرا من المقالات والتحاليل في أمهات الصحف والمجلات الغربية. وكنت أتصور أن هناك مبالغة في التنبؤات والتوقعات التي تقدمها كون بلدان الخليج العربي، ولا سيما السعودية، تمتلك احتياطيات هائلة من النفط باستطاعتها إزاحة أي مادة بديلة أو تنافسية من خلال غرق الأسواق بهذه البضاعة الاستراتيجية.
ولعبت هذه الدول، ولا سيما السعودية، دورا بارزا من خلال الأسعار وزيادة الإنتاج أو خفضه للحفاظ على مصالحها ومكانتها الاستراتيجية لأن النفط يشكل الدخل الرئيس لها ودونه لن تتمكن من تلبية متطلبات ميزانياتها التي تضخمت نتيجة لالتزاماتها الكثيرة والمتنوعة.
ولم أمنح ما قرأته عن الثورة أو الطفرة التي بدأ النفط الصخري إحداثها في سوق الطاقة العالمية الكثير من المصداقية إلا بعد تصفحي تقرير الاستقرار المالي لعام 2015 بنسخته الإنجليزية الذي أصدرته مؤسسة النقد العربي السعودي،
والتقرير متوافر على الشبكة العنكبوتية. وشخصيا أراه طفرة في الشفافية التي لا بد منها في كل مناحي الحياة برمتها إن أرادت المملكة وشقيقاتها الخليجية مواجهة الخطر القادم من النفط الصخري والأخطار الأخرى، وما أكثرها.
تقرير النقد العربي السعودي يتوقع أن تؤثر الأسعار المنخفضة في الفترة الراهنة في الإنتاج المستقبلي للنفط بدلا من الإنتاج الحالي. ويتطلب ذلك قدرا من الصبر من دول أوبك المنتجة للنفط والرغبة في الحفاظ على ثبات الإنتاج حتى يصل الطلب إلى مستويات العرض الحالية.
ويضيف التقرير في نبرة تحذير واضحة أنه أصبح جليا أن الدول النفطية خارج نطاق منظمة أوبك "وهنا يقصد التقرير دول النفط الصخري" لم تعد تكترث لسياسة خفض الأسعار لكبح جماح إنتاجها، مع أن هنالك تفاؤلات شبه يومية بعودة تدريجية لأسعار النفط التقليدي، وقد يستقر ما بين 80 و85 دولارا.
أي قراءة معمقة للتقرير من قبل أصحاب الشأن في الدول النفطية في الشرق الأوسط، ولا سيما الخليجية منها، لا بد أن يجعلهم يعيدون النظر وينقحون الكثير من سياساتهم الاقتصادية وفي مجالات شتى منها ما يتعلق بأسس الصرف والتنمية والاستثمار والادخار والنفقات، ومنها ما يتعلق بالبنية الاجتماعية والديموغرافية والسياسية وغيرها.
وأظهرت الأحداث أن أغلب قرارات المملكة كانت غايتها حماية المنتجين وهذا ما صارت تدركه أغلب الدول، ومنها التي لا تكن مودة تجاهها مثل إيران وأخيرا روسيا وهي واحدة من المنتجين الكبار والتي أخذت تضع ألف حساب للتكنولوجيا الحديثة التي تسابق الزمن وتتصارع مع خفض الأسعار كي تجعل إنتاج النفط الصخري ذا جدوى اقتصادية.
النقطة الثانية التي هي الأهم تتعلق باقتصاديات الدول النفطية التقليدية وتأتي المملكة في مقدمتها. السؤال الذي يطرح ذاته هو هل بإمكان ميزانيات هذه الدول تحمل أعباء انخفاض أسعار النفط؟ وإلى أي مدى؟
الدول الخليجية لها صناديق "سيادية" ومدخرات كبيرة بيد أن اقتصادات العالم عرضة لتقلبات الأسعار. وإن قارنا بين ما فعلته النرويج بمدخراتها من النفط وما حدث في هذه الدول لعرفنا سبب خطورة الموقف.
الدول النفطية في الخليج صار لها أكثر من 50 سنة وهي تنعم بتدفق مستديم من العملات الصعبة (البترودولار) وبدلا من أن تستثمر في الصناعة والزراعة والخدمات لتقليل الاعتماد على النفط، زاد اتكالها على الاقتصاد الريعي. في العقود الخمسة هذه حدثت طفرات تنموية هائلة في دول غير نفطية كان بعضها في حينه أقل نموا من دول الخليج مثل كوريا الجنوبية والصين وماليزيا وسنغافورة.
الدول هذه لم تكن لها أي إمكانات مالية واعتمدت في تنميتها على الاستثمار الأجنبي. الدول النفطية الخليجية وفي فترات محددة أمطرت سماؤها ذهبا وتكدست لديها الأموال إلا أنها ظلت تقريبا تراوح في مكانها من حيث اعتمادها الكبير على النفط وحسب.
هناك دروس كثيرة بإمكان المرء استخلاصها ولكن دعني أختتم بالقول إن الاستثمار في النفط والغاز الصخريين قرار أمريكي استراتيجي ربما لا رجعة عنه مهما انخفضت أسعار النفط. لقد جندت أمريكا وحشدت إمكاناتها كي تعتمد على نفسها أو على أقل تقدير تخفض اعتمادها على النفط العربي إلى درجة لا تترتب عليها أي التزامات سياسية وعسكرية في المنطقة التي يقدر الخبراء تكلفتها بنحو ثلث النفقات العسكرية للولايات المتحدة.
ولهذا ترى أن تكنولوجيا النفط الصخري في تطور مذهل. ما كان مستحيلا قبل أشهر صار ممكنا اليوم، وهم يعدون أنفسهم لجعل تكلفة إنتاج النفط والغاز الصخريين مجدية أمام أي هبوط مفاجئ آخر لأسعار النفط.
النفط والغاز الصخريان قادمان وبقوة وآمل أن يكون تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي بمثابة جرس إنذار كي يستعد أصحاب الشأن لمعركة من طراز ربما لم يألفوه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي