«داعش» .. القضاء على الفكرة
تحت جنح الظلام تسلل أبو لؤلؤة المجوسي إلى المسجد وهو يخبئ تحت ملابسه خنجرا مسموما، وقد بيت نيته السوداء على غرزه في صدر الفاروق عمر ــ أحد المبشرين بالجنة. في تلك الليلة المشؤومة سجل التاريخ أول جريمة نكراء في بيت من بيوت الله أريق فيها دم الفاروق وثلة من الصحابة الكرام!
ها هو التاريخ يعيد نفسه لكن من نوع آخر، فقاتل عمر مجوسي كافر، وقاتل أحفاد عمر مسلم يظن أن تذكرة عبوره للجنة جثث الأبرياء في بيوت الله!
"داعش" منظمة إرهابية رجعية تسير على نهج القاعدة في العزف على وتر الجهاد ومحاربة الكفار وترسيخ مفهوم العدالة ودغدغة مشاعر الشباب بالحور العين والشهادة والجنة!
وقد كان "شيوخ القاعدة" أيام الجهاد الأفغاني يروجون لقصص وهمية لا يصدقها حتى السذج ليضفوا هالة من القدسية على الجهاد والشهداء، وبذلك ينصبون "فخا" للشباب لجذب مزيد منهم، وقد كتب أحد قادة القاعدة في أفغانستان يقول "أتيت لشهيد في قبره وقلت له إن كنت شهيدا فأرني آية فقام الشهيد وسلم علي ثم رجع لقبره". مثل هذه الأحداث المفبركة الهزيلة كانت تنطلي على عقول الشباب قبل 30 عاما قبل الانفتاح الفكري والإعلامي وانكشاف أمر هذه الفرق الإرهابية التي تتخذ من الدين ستارا لتحقيق انتصاراتها السياسية، لكن في عصر التكنولوجيا والعولمة ما الذي يدفع بشاب في العشرينيات لتصديق هذه الخزعبلات التي لا يصدقها عاقل؟
خطر "داعش" لا يكمن في تمددها، ولا في استعداد المنتمين إليها للف الأحزمة الناسفة حول خصورهم، وتفجير أشلاء خلق الله حتى لو كانوا ركعا سجدا، ولا في افتقارها إلى التعامل الإنساني والحوار الفكري وتقبل الرأي الآخر، ولا في وحشيتها بتصوير "شواء" ضحاياها ونشر ذلك على مختلف وسائل الإعلام لقذف الرعب في قلوب أعدائها!
ــ خطر "داعش" الحقيقي يكمن في زرع الفكر الخبيث في عقول شبابنا المغرر بهم، فهي تضخم مشكلات البطالة والفقر والظلم وعدم تساوي الفرص والتبرج وغيرها، وتوهم الشباب بأن كل هذه المشكلات لن تحل إلا بالجهاد وإرساء دولة الخلافة، ولذلك محاربة "داعش" بسلاحها نفسه هو أمر حان التفكير فيه بجدية، فتصحيح الفكر الخبيث أصعب من زرعه، وهنا يأتي دورنا كأفراد ومؤسسات ومصلحين وعلماء نفس واجتماع وإعلام ومربين.
العلاج السحري لمحاربة أي فكر خبيث واستئصاله يكمن في كلمتين.. الاستماع والحوار!
وخزة
يقول المهاتما غاندي
"حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه أنت".