رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إن وُصف الإسلام بما لا نريد .. فنحن السبب

.. كلما تذكرت هذا القول لسايمون ويل، رن على بالي جرس هذه المسميات التي نطلقها على الخارجين المجرمين بالإسلاميين، أو الجماعات الإسلامية. نعود لسايمون فهي تقول: "التخيل والواقع المختلق يشكل ثلاثة أرباع حياتنا". واخترت قول "سايمون ويل" لأنها مفكرة مسيحية، تنقلت واعتنقت مذاهب مسيحية مختلفة، ثم تطورت إلى صوفية مسيحية تبتلت بها. فهي كل مرة تجد أن المسميات هي التي توجد الواقع، ثم يصير هو السائد، ثم يصير حقيقة مطلقة.
هذا الكلام يرن برأسي كثيرا، بل يقلقني ويخيفني لِمَ نصنع نحن المسميات ثم يأتي يوم نحتاج لكل قوانا الفكرية والمنطقية والاستدلالية لنثبت أن ذلك غير صحيح.. وقد نستطيع ولا نستطيع.
لما أقرأ في الصحف الأجنبية عن أخبار المخربين الذين يقتلون ويفجرون ويسيحون الدماء يصفونهم بالإسلاميين والجهاديين، يمغصني قلبي بأنه أسيء استخدام اسم أفضل دين على الأرض، كما استبيح استخدام أحد معانيه الفاضلة، الجهاد.
ولما اجتمعت بفرقة من الشباب اللندنيين في جامعة لندنية، كان الفهم الأوحد للمسلمين أنهم هؤلاء الناس الذين يقتلون ويكرهون ويحقدون، ويجاهدون ضد الكفار الذين هم الأوروبيون أو المسيحيون. قام شاب باكستاني وتكلم بحدة وغضب، وقال: "هؤلاء الذين تكلموا من زملائي القطاع الأكبر من الناس الذين قادهم الوهم وتحريف الحقائق مما يقرأونه من كتَّابهم ويسمعونه من مذيعيهم الذين يقولون ذلك عمدا أو عن غير عمد، أما عن غير العمد فهو الأقسى والأصعب". واستوقفته أن يشرح معناه الأخير، فقال بالحدة ذاتها: "إني باكستاني الأصل، وأقرأ بالأردية عما يكتب في الجرائد المسلمة الباكستانية في تسمية هؤلاء المجرمين بالإسلاميين والجهاديين. فإذا كنا نحن المسلمين الذين نعرف معنى الجهاد السامي، الذي فقط أحد معانيه جهاد النفس ضد الرغبات اللاأخلاقية واللاإنسانية ونسمي تلك الطوائف المنحلة وغير الإنسانية فضلا أن تكون مسلمة بالاسم ذاته أي الجماعات الإسلامية والجهادية، فماذا تنتظر من كتّاب الغرب؟ وماذا تنتظر من هؤلاء الفتية الذين هم الآن في طور صناعة العقل والشخصية.. نحن الملومون، وأعتقد أن صحافتكم العربية تستخدم اللغة ذاتها التي تستخدمها الجرائد الباكستانية، أفدني هل هذا صحيح؟".
أطرقت قليلا وقلت لمصطفى رشاد الشاب الباكستاني اللامع الشخصية: "نعم يا مصطفى حتى نحن في صحافتنا نسميهم كذلك".
ما قاله مصطفى الشاب النابه هو عين ما قالته المسيحية الفيلسوفة المتصوفة سايمون ويل، وكلاهما صدَقا. على أن الذي يهمني هنا هو ديني، دين الإسلام، الدين الذي أجمع كبار مفكري الدنيا على تفرده بالسلام والرقي الإنسانيين، ثم نأتي نحن- طبعا غير قاصدين ـــ ونلطخ هذا الدين بأن ننسب هذه الجماعات المخربة الخارجة حتى عن الإطار الإنساني العام للإسلاميين، أو الجماعات الإسلامية. كيف تكون داعش جماعة إسلامية؟ وبوكو حرام جماعة إسلامية؟ وكيف نردد دوما فيما نكتب ونقول إنهم جماعات إسلامية؟ عندما نعرف أن معظم الشباب في الغرب لم يسمعوا عن الإسلام إلا عن طريق العمليات الإرهابية، فكيف نعتقد أنهم سيعرفون الإسلام على حقيقته بل سيغلب الانطباع الأول، والحقيقة المصطنعة، والكلام المنقول عن الواقع الحقيقي. هذه هي حال الأمور فعلا كما قالت سايمون، وكما قال مصطفى. بعد ذلك نضطرب ونغضب إن نشأ الجيل الغربي على كره الإسلام والمسلمين، ونتناسى أننا نحن من كتب ووصف هؤلاء المجرمين بأنهم مسلمون، أو خلعنا الصفة الإسلامية عليهم.
بل الأمر قد يقود إلى نتيجة أعظم، وأدهي.. بأن تنشأ أجيالنا "نحن" على ما نصفه "نحن" على أكبر المجرمين والمخربين سافحي الدماء مفجري المساجد بأنهم جماعات إسلامية أو جهادية، فتدخل عقولهم كما قالت الفرنسية المسيحية سايمون، ومصطفى الشاب المسلم المتحمس التخيل الانطباعي الأول، والحقيقة المصطنعة، فتتبلور بأذهانهم الصورة ذاتها عن الإسلام كما في ذهن مثلائهم الغربيين.
قد تقولون إني، وقد أكون كذلك، ذهبت بخيالي بعيدا جدا.. ولكن لننتبه، قبل أن يكون واقعا قريبا جدا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي