رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حقيقة .. من يصنع الإرهاب؟

فجع الوطن والعالم بجريمة نكراء في حق المصلين الآمنين في بيت من بيوت الله في أبها البهية، نفذها أحد المراهقين الذي غررت به قوى الضلال والتشدد والفهم الخاطئ للدين، فأدعو الله لضحايا الحادث الأليم بالرحمة والمغفرة ولذويهم بالصبر والسلوان، وأن يحمي الوطن من عبث العابثين، الذين فقدوا القيم الدينية، واستباحوا حرمة أماكن العبادة، وأحلوا هدر دماء المسلمين دون وجه حق.
لقد ازدادت وتيرة الإرهاب خلال العقدين الماضيين بدرجة كبيرة، لدرجة أنه أثر سلبا في حياة الناس، وألحق تكاليف مادية ومعنوية باهظة بمعظم دول العالم، والتساؤلات التي تُطرح في كل ندوة ومؤتمر أو برامج تلفزيونية، هي: ما أسباب ازدياد الإرهاب بوجه عام؟ وما دوافع الانضمام إلى الجماعات المتطرفة مثل "داعش" وأخواتها؟ هناك إجابات كثيرة، ولكنها متضاربة ومتعارضة يفتقر كثير منها إلى الموضوعية، وتنقصها الدقة، فهناك من يؤمن بنظرية "المؤامرة"، ويحملها المسؤولية كاملة عما يحدث في المنطقة من تفكك واضطرابات، وبالتالي يبرئ الخطاب الديني بالكامل، ولا يرى للمناهج التعليمية علاقة من قريب أو بعيد، ولا يعتقد وجود ارتباط لما يحدث بغياب العدالة الاجتماعية أو شرعية الأنظمة، بل يؤكد على تأثير الشبكة العنكبوتية المباشر في الشباب، وتسهيل التواصل فيما بينهم، ومن ثم التغرير بهم، وتجنيدهم لصالح المنظمات الدينية المتشددة. وفي المقابل، هناك من يرى العكس تماما، معتقدا أن الأطراف الأجنبية الخارجية قد لا تتآمر، ولكنها تستغل الفرص السانحة لتحقيق مصالحها. ولا يستبعد أن تكون جميع تلك العوامل مشتركة تعمل على تفكيك بنية عربية ضعيفة في أساسها وغير صامدة أمام عوادي الأيام.
إلى جانب صعوبة تحديد أسباب الإرهاب، يزداد الغموض حول نشأة بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة ومصادر دعمها، فلم يتمكن المحللون من فك رموزها الغامضة، ما أدى إلى تكهنات وتحليلات متضاربة. فعلى سبيل المثال، بعضهم يرى أن إسرائيل لها دور في تأسيس "داعش"، وأن البغدادي يهودي الأصل، وهناك من يرى أنها صناعة إيرانية، وفريق ثالث يرى أنها صناعة أمريكية، وفريق رابع يرى أنها نشأت وترعرعت في أحضان القاعدة، وأنها استخدمت من قبل أطراف متعددة حسب تقاطع أنشطتها مع مصالحها.
وعلى الرغم من أهمية معرفة نشأة ومصادر دعم هذه الجماعات؛ لأن علاج الأعراض لا يكفي من دون معرفة الأسباب الجذرية للمرض، فإن السؤال الأهم هو كيف استطاعت هذه الجماعات تجنيد الشباب من مختلف الأقطار العربية وغير العربية ليكونوا سهاما في خاصرة أهليهم وأقاربهم وأوطانهم؟ والسؤال المهم أيضا: من يمثلها أو يعمل لحسابها في الداخل لتجنيد هؤلاء الشباب وتوجيههم للذهاب إلى جبهات القتال أو زعزعة أمن أوطانهم من الداخل؟
لا أحد يعترف بعلاقته بتجييش المراهقين من قريب ومن بعيد، فالكل لا يدعي وصلا بليلى، ويرمي المسؤولية على شبكة الإنترنت التي ربما هي أحد العوامل المؤثرة، ولكنها – بالتأكيد – ليست الوحيدة. ومن السذاجة أن نعتقد أن دخول المراهق للإنترنت كفيل بتجنيده، فالأهم هو من قام بالتهيئة النفسية والمعنوية للاستجابة للرسائل الواردة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فكما يقال فإن تشخيص المشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل. ومن هذا المنطلق، أعتقد أن المشكلة الكبيرة تتمثل في عدم تشخيص أسباب الإرهاب عموما، والعوامل التي تقف وراء انضمام المراهقين إلى الجماعات الإرهابية من مختلف البلدان، فما يوجد من دراسات حتى الآن هي انطباعات وآراء وتكهنات تفتقر إلى المنهج العلمي السليم. فلا بد من تحديد المسؤولية بموضوعية ودقة بعيدة عن العاطفة، وتحديد الخلل لدى بعض الشباب في انتماءاتهم لأوطانهم، فلربما ضعف الانتماء الوطني نتيجة كثرة الانتماءات وعدم وضع هذه الانتماءات المهمة في أطرها الصحيحة بحيث لا يحدث خلخلة وتشويشا في أذهان الشباب في معظم الدول العربية. أختتم بالدعوة إلى إجراء دراسات جادة من قبل خبراء ومتخصصين في مجال العلوم الاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي