رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


القرارات المستعجلة .. وأنصاف الحلول

كنت أود أن أكمل مناقشة التصنيفات الدولية وردود فعل جامعاتنا حولها والذي بدأته الأسبوع الماضي، إلا أن قرار وزير التعليم حول زيادة حصص القرآن في مدارس التربية والتعليم استوقفني كما استوقف الكثيرين، ما حتّم علي أن أضع موضوع التصنيفات جانبا لأخوض مع الكثيرين في مناقشة هذا القرار لنتعرف على وجهات النظر المتعددة، ونناقش مسبباته ومدى نجاحه، وهل هو القرار الذي كنا ننتظره منه؟
علَّق الكثيرون حول هذا القرار ما بين مؤيد ومعارض ومتحير. منهم من يرى أن هذا قرار رشيد ويصب في مصلحة الطالب والمدرسة والعملية التعليمية كون القرآن الكريم أساس اللغة والدين والتشريع. جزء آخر يرى أن هذا قرار لم يدرس بعناية لأنه سيكون على حساب المواد الأخرى فقد تطور العلم وتشعبت المعارف ودخلت مهارات وأساليب ينبغي للطالب في هذا العصر إتقانها فهناك اللغة العربية وما يدور في فلكها من نحو وصرف وإملاء وقراءة، وهناك مواد الدين من فقه وحديث وتوحيد وتفسير، ثم العلوم الاجتماعية ناهيك عن المواد الأساسية من علوم ورياضيات ولغة إنجليزية، ثم أتى الحاسب الآلي الذي وإن كان قد سهل في بعض الجوانب إلا أنه زاد المهمة التعليمية تعقيدا وتشعبا. صنف ثالث يرى أن القرار ربما كان بقصد استرضاء البعض حتى يكسبهم إلى جانبه.
أما أنا فأرى أن القرآن الكريم أهم مادة يتلقاها الطالب في مراحله المختلفة من الابتدائية إلى المرحلة الجامعية ولا ترتبط دراسة القرآن بالمراحل التعليمية فحسب بل هو لصيق المسلم ورفيقه في مراحل حياته المختلفة. كما أن القرآن يقوِّم لسان الطالب ويمكِّن من استيعاب المواد الأخرى ذات العلاقة كاللغة العربية والمواد الدينية وأيضا العلوم الاجتماعية. ولا أظن أحدا في بلادنا بل لا أظن مسلما ـــ مهما كان مذهبه ـــ يعارض أهمية القرآن الكريم حتى وإن لم يكن متدينا بطبعه. ولا نريد أن نخوض كثيرا في شرح أهمية القرآن وعلاقته بالعلم والدين وممارسة الشعائر الدينية فهذه حقيقة الكل يعرفها والكل متفق عليها.
ورغم أهمية مادة القرآن الكريم ومصدر ثرائه إلا أنني لا أتفق مع الوزير في هذه الجزئية، ولا أؤيد البتة زيادة حصص القرآن بهذه الطريقة لما فيها من العشوائية ولعدة أسباب رئيسة. السبب الأول: ندرة المعلمين الأكفاء خصوصا معلمي القرآن الكريم. هناك ندرة وشح شديد في كثير من المدارس ما يضطر بعض المدارس إلى إسناد تدريس مادة القرآن إلى من يتطوع لذلك، أو إلى من يريد أن يحتسب الأجر، أو إلى أي معلم لم يكتمل نصابه. والأمر ليس مقتصرا على الندرة فحسب بل الكفاءة والأهلية فكثير من معلمي القرآن غير مؤهلين ويحتاج كثير منهم إلى تقويم ألسنتهم فكيف يعهد إليهم بتدريس مهارات لم يتقنوها؟
السبب الثاني: وقد بينه بعض الكتاب من قبل وهو الكم المعرفي الهائل الذي يتلقاه الطلاب في المدارس من علوم ومعارف وأدب ودين وغيرها ولا نريد أن نسهب في هذا كثيرا فقد تم تبيانه من قبل.
السبب الثالث: أن البنية التحتية للمدارس غير مهيأة للوفاء بالبرنامج التعليمي الحالي فكيف بزيادة أعباء أخرى كزيادة ساعات القرآن الكريم. قرار زيادة حصص القرآن سيطبق على جميع المدارس وبعض مدارسنا تعاني تهالك بنيتها التحتية لأنها عبارة عن مبان سكنية للمواطنين تم استئجارها لغرض أداء المهمة التعليمية ولهذا فهي حلول مؤقتة لا تكاد تفي بالحد الأدنى من العملية التعليمية، فكيف عندما يزيد العبء عليها؟.
السبب الرابع: الوضع أكبر من زيادة حصص أو تخفيض حصص. أرى أن معضلة التعليم في بلادنا لا يمكن أن تختزل في زيادة حصص القرآن الكريم أو نقصانها، فالوضع أكبر من ذلك وأعمق وهو يحتاج إلى خطة ليست خمسية ولا عشرية بل لعقدين من الزمن، حيث يتم تحويل التعليم برمته من منهجيته التقليدية التي يعيشها الآن إلى منهجية فريدة تحافظ على أصولنا العربية والإسلامية وتنطلق بنا إلى مصاف الاقتصادات الإنتاجية. أرى أن العمل الجوهري لوزارة التعليم يتمثل في إعداد خطة التعليم، ولكن قبل ذلك ينبغي للوزارة أن تقوم بمسح شامل لواقع التعليم بعدة آليات منها المقابلة الشخصية المباشرة مع المعلمين الأكفاء ـــ وليس أنصاف المعلمين ـــ وثلة من الطلاب من مختلف المدارس وقليل من أولياء الأمور وكذلك من يستقبل مخرجات التعليم العام كالجامعات على سبيل المثال.
بعد كل هذا تقوم الوزارة بزيارات لعدة ثقافات لترى كيف استطاعت تلك الحضارات أن توظف التعليم توظيفا جيدا وتعد أبناءها إعدادا جيدا، ولن يتسنى ذلك إلا أن يقوم فريق عمل جاد بالمكوث هناك عدة أشهر يتم التعرف من قرب على كيفية عمل البيئات التعليمية في تلك الثقافات وكيف وظفت التعليم حتى أصبحنا نحن أهل القرآن نرحل إليهم من أجل أن نعلم أبناءنا في مدارسهم وتحت إشرافهم. ولولا القرآن واللغة العربية التي تربطنا بحضارتنا لهجرنا مدارس التربية والتعليم وآثرنا المكوث هناك مع من استطاع أن يقدم العلم والمعرفة والمهارة بكل مهنية دون تعقيدات ودون ضرب ودون طابور صباحي ودون تهديد. بعد كل هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات ووجهات النظر وتجارب أهل الخبرة يتم إعداد الخطة لـ 20 سنة قادمة ويمنع المساس بها مهما تغيرت القيادات التعليمية، بل تتم مراقبتها كل عام لمعرفة الانحرافات في وقتها ومن ثم معالجتها.
أما القرارات المستعجلة والحلول المتعجلة وأنصاف الحلول فلا تقدم ولا تؤخر بل تزيد الوضع تعقيدا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي