موظف ثائر ضد «البصمة»
لا شك أن نظام "البصمة"، الذي بدأ عدد من الجهات الحكومية في تطبيقه، يهدف بشكل أساس إلى مزيد من "الانضباط" للحد من التسرب من العمل، وللحد من حالات التسيب المنتشرة بين أوساط الموظفين الحكوميين، وهو لا شك خطوة مهمة تخطوها تلك الجهات الحكومية التي سارعت بتطبيقه، ولكن هل الموظف السعودي مهيأ حاليا لتلك الخطوة؟
السؤال السابق حول استعداد الموظف السعودي لنظام البصمة طرحه أحد الأصدقاء علي في نقاش حول النظام الجديد، ولم يترك لي مجالا للتفكير في الإجابة بل سارع واسترسل قائلا "غالبية الموظفين السعوديين غير مهيئين لتلك الخطوة حاليا، ولا يمكنهم التعايش مع هذا النظام الذي يجبرهم على الوجود في مقار عملهم طوال الوقت، وهو أمر سيلحق ضررا بعائلاتهم وسيسهم في التقصير في واجباتهم تجاه أسرهم".
قلت له: ولكن مع مرور الزمن وتنظيم الوقت سيتمكن الموظف من التعايش مع النظام، والقيام بدوره كرب أسرة من خلال الالتزام بواجباتهم وحقوقهم وكل ما يحتاجون إليه في أوقات ما خارج وقت العمل "المساء".
لم يعجبه حديثي، وقال بعد أن امتعض منه: لا يمكن له التوفيق بين عمله وظروفه الأسرية، الموظف الحكومي غير مهيأ للبصمة حاليا، فهل نملك وسائل نقل عامة يمكن أن تنقل أطفاله من وإلى المدرسة بطرق آمنة ومريحة يمكن من خلالها ألا يضطر للخروج من العمل لإعادة أبنائه للمنزل بعد خروجهم من المدرسة؟ طبعا لا نملك حاليا وسائل نقل آمنة، وهل يستطيع تجاوز تلك المعضلة من خلال توفير سائق ومركبة لأبنائه؟ بالطبع لا يمكنه توفير ذلك وسط ظروف حياتية صعبة وغلاء فاحش في كل شيء، فمرتبه "يا دوب" يوفر لأسرته سبل العيش الأساسية بعد أن استغنى عن الكماليات منذ سنوات.
الصديق الثائر ضد "البصمة" لم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل حديثه قائلا: "لا يوجد لدينا كموظفين تأمين صحي يمكن من خلاله مراجعة أي مستشفى في أي وقت، وكل المراكز الحكومية الصحية تعمل وقت الدوام، فكيف لي أن أخرج لمواعيد أطفالي أو زيارتهم للطبيب عند كل وجع يتألمون منه، سيجبرني نظام البصمة على زيارة المستوصفات الخاصة وقت المساء، وهو ما لا يمكن للموظف البسيط صاحب المرتب المنخفض تحمله.
الصديق الثائر ضد البصمة لا يعترض على النظام وليس ضد الانضباط، ولكنه يقول إن من نصح بالنظام الجديد وسعى لتطبيقه لم يراع ظروف الموظفين الصغار ولم يسأل نفسه: هل هم مهيأون له أم لا؟ أعتقد أن صوته يتطلب السماع له والإنصات والسعي لتوفير سبل الراحة من نقل عام وتأمين صحي.. وزيادة في المرتب إن سمحت إيرادات الدولة قبل تطبيق نظام "البصمة".