رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من يعبث بقضايانا الاقتصادية والاجتماعية؟ ولماذا؟

كثيرة هي الآراء التي تتحدث عن مستقبل منطقة الشرق الأوسط وخضوعها لمشاريع غربية تستهدف في محصلتها إعادة هيكلة المنطقة لمصلحتها ومن ذلك ما نشر بشأن مشروع "بيريز" لشرق أوسط جديد مفكك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية تقوده تل أبيب وتتقاتل مكوناته بشكل مستمر ومتقطع لتهنأ الدولة العبرية بالأمن والسلام دون قتال.
من ذلك مشروع "الفوضى الخلاقة" الذي يحول ممانعة الشعوب للتقسيم إلى مطلب فئوي للخلاص من الحروب والدمار والقتل اليومي كما حول الحال الآن في سورية والعراق وليبيا وربما اليمن، والذي يهدف في محصلته لميلاد شرق أوسط جديد كما أعلنت ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء القصف الجوي المتواصل للأهداف المدنية اللبنانية في حرب عام 2006.
كثير من مكاتب الدراسات والمنابر الإعلامية الدولية بأنواعها كافة تتحدث عن مشروع "سايكس بيكو" أمريكي جديد في منطقة الشرق الأوسط لإعادة صياغة نظامها الإقليمي في المنطقة بعد أن أصبح النفوذ الأمريكي المتحالف مع إسرائيل هو المهيمن في المنطقة بعد تخلي بريطانيا وأمريكا كرها عن هذا النفوذ.
لاشك أن ما جرى في المنطقة منذ تصريحات كونداليزا رايس "2006" شيء مذهل لم يكن يتصوره أي منا، حيث وقع كثير من دول المنطقة في الفوضى الخلاقة المهيأة لتقسيمها والمنطقة في المحصلة إلى دويلات عرقية وطائفية باللعب على ورقة السنة والشيعة والكرد وغيرها من الطوائف والأعراق فها هي العراق تتمزق وترسم خريطتها من جديد بالتزامن مع سورية التي تليها على الطريق نفسه بعد أن مزقت لبنان على الأساس ذاته وأصبحت جميعها دولا فاشلة.
السؤال، رغم إقرارنا بقوة الولايات المتحدة وتأثيرها وإمكاناتها الهائلة، هل يمكنها أن تحقق ما تريد وكأنها رب الكون؟ هل تستطيع أن تحقق مرادها بالتعاون مع ربيبتها إسرائيل إذا كان كل ما قيل صحيحا، إذا اتحدت الشعوب بحكوماتها وواجهت هذه التحديات؟ هل يمكن لأمريكا أن تحقق أهدافها وتدير العالم لمصلحتها دون حلفاء تحترم حقوقهم ومصالحهم؟ والإجابة بكل تأكيد "لا" يمكن لها ذلك، وكلنا يعلم أن المقاومة العراقية أخرت تحقيق المشروع الأمريكي في العراق لسنوات دون دعم من أية دولة خارجية، بل بدعم معاكس من دول أخرى مثل إيران لتحقيق مصالحها وحلمها بتوسيع مساحات الكتل العربية الشيعية التابعة لها.
ما علاقة كل ما سبق بعنوان المقالة؟ والإجابة إن الفوضى الخلاقة أو بالأحرى المدمرة تتطلب بيئة محبطة يفقد فيها شباب البلاد التفاؤل والأمل ويكونون في حالة تذمر وانفصال تام عن المنجزات التنموية على أرض الواقع والنعم التي ينعمون بها والمكتسبات الوطنية التي يتمتعون بها ليكونوا جاهزين عاطفيا للانسياق وراء أي مشروع تدميري في ظاهره الرحمة بدعوى التغيير الإيجابي للأفضل، وفي باطنه العذاب دون شعور منهم بالتبعات الكارثية.
وبعد أن تتكون البيئة المحبطة ويتهيأ شباب الوطن للانسياق وراء المشاريع التدميرية بدعاوى الإصلاح والتطوير والنهضة والتخلص من أسباب التخلف، يقوم أصحاب استراتيجية الفوضى الخلاقة بتحريك الطوائف والأعراق بدهاء من خلال دمج الشباب ببيئة الصراعات المحيطة وتجنيدهم لنقلها إلى داخل البلاد لإحداث الفرقة وتنفيذ أعمال إرهابية تحفز الفرقاء للاحتراب الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لإيقاف التنمية ومن ثم الاحتراب المادي المدمر تمهيدا للتقسيم.
هذا ما حذر منه المتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي فيما نشرته صحيفة "الرياض" على لسانه يوم الثلاثاء 12 شوال 1436 هـ في تصريح له خلال دورة للمتحدث الرسمي لمنسوبي وزارة الداخلية، حيث حذر اللواء التركي من سياسة الإحباط الموجه للمواطن السعودي من جماعات معينة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تجعل المواطن يفقد الأمل في الحياة والتقدم، رغم أن من يعايش الأمور الواقعة في المملكة يلمس عكس ذلك، ومن ينظر للمستقبل يدرك أن هناك مستقبلا مشرقا من حيث المشاريع الكبيرة التي تقام في مناطق المملكة ما يطمئن الجميع على الجيل القادم.
لا شك أن توظيف القضايا الاقتصادية المستدامة وطرحها كمشكلات عميقة إحدى أدوات زرع الإحباط، ولنأخذ مثالا على ذلك القضية الإسكانية التي ضخمت كما يبدو لي بشكل كبير دون أطر مرجعية تبين لنا حجمها وعمقها وآثارها، وهل هي في إطار القياسي أم أنها مشكلة؟ وإذا كانت مشكلة فما هي حدتها؟ الصراخ في الإعلام التقليدي والرقمي وما ترتب عليه من إحباط يقول إننا نعيش مشكلة إسكانية طاحنة لا تبقي ولا تذر، وإن الدولة مقصرة في هذا المجال تقصيرا شديدا، وإن العشوائيات تحيط بمدننا كافة وإن المواطن في ضنك العيش نتيجة لذلك. الواقع يقول عكس ذلك تماما حيث تنتشر الوحدات السكنية وتتمدد بشكل سريع في جميع المناطق ويتمكن كل مواطن جاد عامل من السكن في مسكن ملائم بالتملك أو الإيجار وإن نسبة الملكية (30 في المائة) غير حقيقية بحال من الأحوال بل متدنية جدا جدا مقارنة بمعطيات الواقع، وإن الطاقة الإنتاجية للمساكن في بلادنا هائلة وقادرة على تغطية الطلب الحقيقي والكامن.
أما التعليم والصحة والبنى التحتية والعلوية فلا تخطئ عين منصف انتشار الجامعات والمعاهد في جميع أنحاء البلاد، وكذلك المستشفيات بجميع أنواعها، إضافة للطرق المزدوجة التي غطت أنحاء البلاد كافة، والمشاريع الهائلة والكبرى للنقل الجماعي في أنحاء المملكة والمدن الرئيسة، والمزيد المزيد الذي لا حصر له. لذلك فالسؤال المنطقي: من يعبث بقضايانا "لا مشاكلنا" الاقتصادية والاجتماعية؟ ولماذا؟
ختاما أتطلع من الإخوة صناع الرأي كافة من إعلاميين وكتاب ومغردين مشاهير وغيرهم، إلى أن يتحروا الدقة ويتحملوا الأمانة ويستوعبوا الظرف والواقع بذكاء ليلعبوا دورهم النقدي السليم بشفافية وموضوعية، وأن يكونوا عونا للقيادة في نشر الأمل والتفاؤل والرضى والتحفز للعمل المخطط المنظم دون ضغط مفتعل، وألا يكونوا معاول هدم وسندا للمشاريع التفتيتية دون أن يدركوا ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي