رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أين ضاعت برامج وأبحاث النانوتكنولوجي؟

الإعلام السعودي يتعامل مع الظواهر العلمية كما يتعامل مع الموضة، فمثلا حينما انفجرت ظاهرة النانوتكنولجي في الأوساط العلمية المحلية في عام 2008 تعامل الإعلام السعودي معها كما لو أنها ظاهرة سوف تحقق المعجزات التي كان يحلم بها السعوديون، ثم فجأة صرف النظر عن الظاهرة تماما وكأنها عديمة الأهمية، وغاب النانو وغابت مشاريعه التي رقصت على أنغامها واكتشافاتها الصحافة السعودية فترة قصيرة من الزمن.
لقد دخلت ظاهرة النانوتكنولجي إعلامنا السعودي مع مطلع 2009 واستمرت في منافست الصحافة حتى عام 2013، ثم اختفت بعد ذلك وكأن الموضوع ليس من الأهمية التي تقتضي ضرورة مواصلة البحث فيه والنشرعنه وتوعية الناس بأهميته على طريق بناء قواعد الانطلاق إلى عالم جديد في مجال الإبداع والابتكار والتنمية.
إن كلمة النانو كما وردت في القواميس كلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية "نانوس" التي تعني القزم، ويقصد بها كل شيء صغير، أو بالأحرى كل شيء متناهي الصغر، ويطلق عليها من الناحية العلمية اسم تكنولوجيا المنمنمات.
وكلنا نذكر أن الدولة ومؤسساتها العلمية تحركت يومذاك مع الإعلام وأنشأت جامعة الملك سعود في الرياض معهد الملك عبد الله للنانو، كما قامت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بإنشاء المركز الوطني لبحوث التقنية متناهية الصغر، وكان لجامعة الملك عبد العزيز دور فعال في نشر ظاهرة النانوتكنولجي، ووصل السباق بين الجامعات مرحلة الرهان على تحقيق الإنجازات، بل اهتم الملك عبد الله - رحمه الله - شخصيا بتكنولوجيا النانو وقامت جامعة الملك عبدالله للتقنية في ثول بإنشاء مركز متخصص لأبحاث النانو، وظلت التصريحات الملكية تدفع بهذه الظاهرة العلمية لتحتل مقدمة اهتمامات المؤسسات العلمية.
والآن نتساءل أين ذهبت مشاريع النانوتكنولوجي التي صرفت عليها الدولة أموالا طائلة، ثم اختفت من أجندة الإعلام ومن أجندة مؤسساتنا العلمية؟ وتوقفت هذه الظاهرة العلمية المهمة عند حدود الدعاية والبروباجاندا.
إن فكرة النانوتكنولجي ليست وليدة اليوم فحسب، فهناك دول عديدة وعتيدة لها الريادة كالولايات المتحدة وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وللأسف إسرائيل من الدول التي أعطت مشاريع النانوتكنولوجي اهتماما واسعا. أما بالنسبة لعالمنا العربي فإننا نسجل للعالم المصري الدكتور مصطفى السيد مشروع علاج السرطان بجزيئات الذهب، ووجد بحثه الفريد اهتماما غير عادي في كل الأوساط العلمية في الولايات المتحدة وبقية دول العالم المتقدم.
أعود مرة أخرى وأتساءل أين وصلت مؤسساتنا العلمية من مشاريع وأبحاث النانو، وماذا تحقق منها؟ وماذا يخبئه المستقبل لنا في هذا المجال العلمي المهم؟
إن تحقيق التقدم في مجال من أهم مجالات الحياة العلمية سوف ينقلنا إلى الصفوف الأولى ــ جنبا إلى جنب ــ مع الدول المتقدمة، ونحن بالفعل نقف الآن جنبا إلى جنب مع الدول المتقدمة في لجنة العشرين، ولذلك يجب أن ندرك أننا إذا أضعنا الفرص المتاحة أمامنا المتعلقة بمشاريع النانو تكنولوجي، فسوف نضيع فرصا من أهم فرص التقدم والتنمية. يجب أن نعرف أن علم النانو كما قال العلماء هو دراسة المبادئ الأساسية للجزيئات والمركبات التي لا يتجاوز قياسها الـ 100 نانو متر، وقال العلماء أيضا: إن النانو هو أدق وحدة قياس مترية، ويبلغ طوله واحد من بليون من المتر، أي ما يعادل عشرة أضعاف وحدة القياس الذري المعروفة بالأنجستروم، ويعرَف النانو متر بأنه جزء من البليون من المتر، وجزء من الألف من الميكرومتر.
ومن خلال قراءاتي عن النانو تكنولوجي فإن تقنية النانو هي العلم الذي يهتم بمعالجة المادة على المقياس الذري والجزيئي، كذلك تهتم تقنية النانو بابتكار تقنيات ووسائل جديدة تقاس أبعادها بالنانومتر وهو ــ كما ألمحنا ــ جزء من الألف من الميكرومتر، أي جزء من المليون من الميليمتر، أي تتعامل مع تجمعات ذرية تراوح بين خمس ذرات إلى ألف ذرة، وهي أبعاد أقل كثيرا من أبعاد البكتيريا والخلية الحية.
إن اختراع إلكترونيات السيليكون أو الترانزيستور، أدى إلى ظهور ما يسمى بالشرائح الصفرية التي أدت إلى اندلاع ثورة تكنولوجية واسعة الأرجاء في مجالات كثيرة، وإلى وقت قريب لم نكن نعرف الإنترنت أو الهواتف النقالة أو الساعات الرقمية أو الآيبادات، كل هذه الاختراعات وما سوف يعقبها يعود الفضل فيها إلى الشرائح الصفرية.
وبعد كل هذه الإنجازات التي تميز هذا العصر عن جميع عصور التاريخ السابقة، ظهر الإنجاز المعجزة الممثل في تقنية النانو والذي سوف يأخذنا إلى عوالم خارقة لا قبل للإنسان بها.
هذه التقنية الواعدة تبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلوم، وستلقي بظلالها على كافة مجالات الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والإدارة والاقتصاد والعلاقات الدولية، وحتى الحياة اليومية للفرد العادي سوف تتأثر بمشاريع النانو، فهي وبكل بساطة ستمكننا من صنع أي شيء نتخيله، فلنتخيل أسطولا من روبوتات النانو الطبية التي يمكن لنا حقنها في الدم أو ابتلاعها لتعالج الجلطات الدموية والأورام والأمراض المستعصية، وحينذاك نقول لهذه الأمراض وداعا إلى الأبد. وعلى النسق نفسه لنتخيل ما سيفعله النانو في العلوم العلمية والإنسانية إذا كانت إنجازاته في الطب قد أدت إلى توديع كثير من الأمراض التي أرقت الإنسان طوال حياته الماضية.
في ضوء هذه الإنجازات الخارقة التي سوف يقدمها النانو للبشرية، فإن المؤسسات العلمية في المملكة وإعلامها السعودي الواعي مطالبين بدخول حلبة سباق علوم النانو، ويجب أن نؤكد أن المستقبل موجود هنا في هذه الحلبة، وما علينا إلاّ أن ننزل إلى حلبة سباق النانو العالمي، ويجب ألاّ نكون بعيدين عن هذه الحلبة وهذا السباق أبدا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي