هل نجعل اتفاق النووي صدمة إفاقة لنا؟
منذ ما يقارب العشر سنوات العالم العربي تحديدا دول الخليج مشغولة بمشروع إيران النووي الذي تخشى دول الخليج من تحوله إلى منتجات حربية تتمثل في قنبلة ذرية تهدد الأمن الخليجي وبصورة أوضح، الاهتمام تجلى بصورة سياسية في مناشدة الدول الفاعلة على الساحة الدولية، وبالذات الولايات المتحدة، ظنا أنها ستكون في صف الدول الخليجية، مع ما يعنيه ذلك من إغفال حقيقة أن الدول الفاعلة، ومن بينها أمريكا تقف دائما، وأبدا في صف مصالحها، ولا يمكن تصور وقوفها بجانب الأخلاق، والمثل والمبادئ، فهذه خارج حساباتها مقارنة بالمصالح والمكاسب.
لقد تابع العالم عبر سنين من التفاوض، وبما عرف بمفاوضات إيران خمسة زائد واحد تصريحات مسؤولين أمريكان، وتهديد باستخدام السلاح، ومقاطعة اقتصادية، وحجز أموال، وما إلى ذلك من ما يمكن تسميته بالمهدئات الشافطات، مهدئات، وتطمين، لكن بين فينة وأخرى يتم التصعيد مع إيران لتسلُّم قيمة فاتورة التهديد السياسي الإعلامي المجرد من أي فعل حقيقي على الأرض.
بعد توقيع الاتفاق تبين من خلال ما نشرته وسائل الإعلام أن الشركات الأمريكية استثمرت خلال السنوات العشر التي تم خلالها التفاوض 107 مليارات دولار في إيران، ومن حقنا أن نتساءل أين الأجهزة المعنية في دول المجلس السياسية، والاستخباراتية عما يجري من علاقات حميمية، وتعاون غربي مع إيران؟، إذ جعلت المفاوضات ستارا يخفيها، التعاون بين الغرب وإيران تمثل في شؤون المنطقة، كما في الحرب على أفغانستان، واحتلال العراق، وما يتم بشأن إعاقة الثورة السورية، وما قيل عن انسحاب القوات الأمريكية من السواحل البحرينية لإتاحة المجال لتدخل إيراني يساند الفوضى الأمنية، إضافة إلى الموقف من الحوثي، والمخلوع علي صالح كل هذه شواهد على أن النبرة السياسية العالية ما هي إلا لذر الرماد في العيون، وتخدير الأصدقاء التاريخيين، كما يفضل البعض ترديده.
من متابعة لوسائل الإعلام العربية، وتحديدا الخليجية، وما يصدر عن السياسيين من مناشدات لأخذ المخاوف الخليجية في الاعتبار أثناء المفاوضات بروز حالة الضعف المتمثلة في الاتكال على الآخر للقيام بأدوارنا، حتى ظهرنا أمام العالم كأقزام يلعبون مباريات كرة طائرة أمام عمالقة محترفين.
خلال التفاوض وسائل الإعلام، والمحللون يركزون على التطلع إلى ما يفعله الآخر لكن نبرة العودة الخافتة، بل المعدومة للذات، وتلمس جوانب القوة فيها، وتعزيزها، واستثمار مصادر القوة، وتأسيس قوة ردع تحمي المكتسبات هي السائدة، كما أماني تفكك إيران بناء على واقعها الاقتصادي، وتنوعها العرقي، والمذهبي كانت أحلاما نمني أنفسنا بحدوثها دون أن نفعل شيئا لتحقيق هذه الأحلام.
تكتيك إيران أثناء التفاوض تمثل في اعتماد سياسة تبادل الأدوار بين المؤسسات التي تحكم إيران، فما بين المرشد علي خامئني ومكتبه، والحكومة، ورئيس الدولة روحاني، والمؤسسة العسكرية، وبالأخص الحرس الثوري، حيث تبادلت أدوارا متباينة تطلق على حسب سير المفاوضات.
وقع الاتفاق، وتباينت ردود الفعل إقليميا، فدول سارعت في مباركة الاتفاق، في حين عبرت دول أخرى بصورة متحفظة، وهذا يكشف أن دول الخليج تفتقد السياسة الموحدة مما يشجع الطرف الآخر على استغلال نقطة الضعف هذه، واستثمار التباينات، والمصالح الخاصة في هذه التجاذبات. ومع أن الاتفاق نص على التزام إيران بعدم إنتاج سلاح ذري إلا أن هذا لا يضمن ذلك ويكفي إيران أنها امتلكت المعرفة، والعقول المتخصصة، إضافة إلى الأجهزة والتقنية اللازمة.
الأداء السياسي المعتمد في الأساس على مفهوم فزعة الآخر، كخاصية شخصية لم تؤت ثمارها، كما أن الأداء الإعلامي الفاقد للتحليل العميق، لقلة الخبرة لدى من يسمون بالمحللين السياسيين، إضافة إلى عدم توافر المعلومات، والمصادر الدقيقة كانت سمات بارزة في التعامل مع موضوع حساس وخطير. لمعالجة هذا الوضع الضعيف أرى أن سياسة الهجوم بدل الدفاع هي الأفضل، وكنت أتمنى لو أن دول الخليج تبنت مواجهة المفاعل النووي الإيراني بمشروع نووي آخر، كما أن افتقاد المنطقة مراكز أبحاث استراتيجية قوية تدعم القرار السياسي وتعمق التحليل أمر لا بد منه لأي بلد يسعى لامتلاك القوة بمعانيها كافة.