ماذا جرى بين كيري وظريف في الغرفة 103؟
في فيينا الحالمة، وفي الغرفة رقم 103 في أحد فنادقها جرى اجتماع بالغ السرية وواقعي جدا، سيغير أحداث المستقبل القريب في الشرق الأوسط.. بين وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ووزير خارجية إيران جواد ظريف، وقيل، واعتمد على ما نقلته مجلة "التايم الأمريكية"، أنها نقاشات عميقة وخاصة بعدة ملفات.. وليس بينها الملف النووي (!).
وإرضاء إيران مُهم عند إدارة أوباما، التي تناضل لإقناع مؤسساتها الدستورية بقبول الاتفاقية مع إيران.
في اعتقادي كمتابع لإيران منذ التاريخ الموغل حتى يومنا هذا أن تاريخها مكون من مفاصل حقبية، ومعلومة سريعة أن إيران هم الاسم الأول في التاريخ قبل الميلاد ثم صار فارس ثم عادوا لإيران.. لأنها تعني بلاد الآريين. علينا أن نفهم جيدا هذه المعلومة: وهو أنه في تصنيف أنثروبولوجيا الشعوب، فإن الشعوب الأوروبية هي امتداد للعنصر الآري. يعني أن الغرب هم أقرب عرقيا على الأقل مع إيران. ولك أن تعتقد أن هذا ينعكس على التعامل السياسي أو لا، لأنه أمر كما هو في أي شيء في السياسة لا يمكن إثباته. فلا ثبات في السياسة.
ولكن إيران في الآونة الأخيرة، في عهد الرئيس حسن روحاني، الذي يحسب على الاعتدال، فهمت الغرب جيدا وبالذات أمريكا، وهذا الفهم ذرائعي باحتراف، وهنا يبدو أن إيران ستملك رؤية صافية تساعدها مرحليا على تنفيذ أهدافها الكبرى بعد أن روضت الغضب والشك عند القوى الغربية الكبرى، ولأول مرة يجرؤ رئيس أمريكي على مخالفة جذرية للسياسة الإسرائيلية.
هل هناك اتفاقات لا نعلمها بين الأطراف الثلاثة؟ لا ندري. وعلينا أن نفهم المعطيات الواضحة بذكاء عملي مجرد، وهذا النوع من الذكاء هو الفأس التي ندق بها سطح الأرض لكشف ما يجري وجرى تحت الأرض. عدم فهم ذلك بغياب ذلك النوع الفولاذي الحاد والبارد من الذكاء سيجعل تعاملنا مبنيا مع إيران على ردود الأفعال في اللحظة السياسية، وعد يقود للا شيء.
رأيتم كيف هي فرحة الإيرانيين وبالذات الشباب منهم من الجنسين وكيف سجلوا وقائع احتفالات لم يسبق لها مثيل منذ جاء الخميني من باريس إلى طهران قبل أكثر من ثلاثة عقود. هذه الفرحة تعني بعدا آخر غير قوة السلطة السياسية، وهي رغبة الناس العارمة أن يعيشوا في بلد مفتوح يصادق العالم ويصادقه. ومن فحص سيكولوجي اجتماعي أولي أجد أن الشعب الإيراني والأجيال الجديدة بالذات تريد أن تعيش، وتعيش في جو مفتوح وهواء طلق، ولا أظنها متحمسة لرغبات صناع السياسة الإيرانية في إشكالات مع جيرانها في المنطقة ولا مع السياسات التوسعية، فكفى الإيرانيين ضنكا وعيشا ضيقا منذ الحرب العراقية الإيرانية حتى المقاطعة الدولية. معرفة هذه الظاهرة الشعبية وفهمها سيفيد جدا في وضع سياسات وتحسبات وواقع الحال مع إيران.
أعود للغرفة رقم 103 في ذلك الفندق في فيينا الحالمة.. ذلك الاجتماع السري الخاص الذي دار بين كيري وظريف، ربما أسهم في وضع المفصل الجديد لإيران التي لم تمنع نوويا، وكل ما حدث أنها أصيبت برصاصة في لحم الساق لم تصل إلى العظم ولا تمنعها من أن تمشي وإن عرجت قليلا في برنامجها النووي، ولكن هذه المرة والعالم يربت على كتفها.
وأعود وأقول إن السلاح الأقوى لفهم ومواجهة إيران هو ذلك الذكاء الفولاذي البارد الحاد.