قصة شاب يا وزارة العمل .. هل هذه سعودة أم «أجنبة»؟
تذكرون قبل نحو شهرين كتبت مقالا عن قضية شاب سعودي طموح وجاد، وقد تخرج من قسم المحاسبة في إحدى الجامعات السعودية، ومن المعلوم بالضرورة أن الدولة رعاها الله قد أنشأت الجامعات ووفرت الأساتذة من أجل أن ينعم أبناء الوطن بفرص عمل لائقة وبتخصصات يحتاج إليها القطاعان الخاص والعام، ورغم الجهود التعليمية الكبرى فقد واجه أبناء الوطن مشكلة معاندة ورفض من القطاع الخاص لا أسباب واضحة لها، وبتعليلات لا حصر لها، ولترضية رجال الأعمال عقدت اللقاءات تلو اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات والقرارات حول السعودة التي لم نتقدم فيها بخطوة واحدة مقنعة. الشاب الطموح الذي أشرت إليه في مقالي السابق أعتبره أحد ضحايا مشكلة السعودة العالقة ما برحت في مكانها، مشكلة الإحساس الهائل بالمؤامرة الذي يحيط بأبنائنا من كل جانب. لست أحاول من هذه المقدمة أن أستدر عطف أحد في هذه القضية بل أن أضع المشكلة في صورتها الحقيقية ومن خلال هذه الحالة العملية من حالات أبنائنا الخريجين ومن تخصصات مهنية أقل ما يقال عنها إنها نادرة والحاجة إليها لم تزل ماسة جدا.
الشاب صاحب القصة كان يعمل في إحدى الشركات المعروفة (أحتفظ باسمها) وهي شركة "سعودية" مساهمة صناعية وعمل فيها كمراجع داخلي لمدة ستة أشهر، وهو –على حد قوله- السعودي الوحيد بينما الآخرون من جنسيات عربية وآسيوية، وقد تعرض إلى ضغوط كبيرة وتقييم ظالم وتم إصدار قرار بنقله إلى قسم المحاسبة بدلا من المراجعة الداخلية ورفض ذلك لأنه يريد البقاء في مهنته التي يرغب في أن يشق طريقه فيها خاصة أنها تعاني عجزا ضخما في المملكة، ونظرا لرفضه التخلي عن تخصصه تم فصله تعسفيا كما ورد في رسائله. كل هذا يتم في إدارة خطيرة جدا وهي المراجعة الداخلية، ولي عودة مرة أخرى أمام هذه القضية بالذات وهي تعرض المراجع الداخلي للتهديدات بالفصل أو تغيير القسم، ولكن من المهم الآن النظر إلى قضية هذا الشاب كقضية سعودة، فالموظف لديه المؤهل من إحدى الجامعات السعودية في هذا التخصص، كما أنه اختار القطاع الخاص وفي شركة مساهمة سهلت لها الدولة كل سبل النجاح وتمولها المصارف من أموال المودعين السعوديين فهي سعودية قلبا وقالبا، ومع ذلك يتعرض السعودي فيها لكل هذا الظلم. لست أقول هذا من خلال تعاطف مع الشاب فقط، بل أنا متعاطف مع كل الشباب السعوديين الذين في مثل وضعه الآن ويتعرضون لمثل هذه الضغوط ولا يجدون ناصرا ولا معينا. فبعد أن أعيته الحيل صدر قرار بفصله فلجأ صديقي إلى وزارة العمل وهي المعنية بالسعودة وترفع لواءها وكان أمله أن تتم إعادته إلى عمله بقوة النظام حتى يستكمل طريقه المهني وحياته الاجتماعية، خاصة أن وزارة العمل قد أنشأت هيئة مختصة بمثل هذه القضايا وهي الهيئة الابتدائية لتسوية الخلافات العمالية التي اعترفت له بالتخصص والخبرة وحكمت له بالتعويض ولكنها لم تعترف بالسعودة، ورفضت الحكم له بالعودة للعمل.. وهذا قد يعطي انطباعاً بأن وزارة العمل تعين الشركات على فصل أبناء البلد ما دامت هذه هي الصورة التي تتكرر.
لقد كنت أتابع مشكلة هذا الشاب منذ بدايتها فقد أرسل لي عدة رسائل سوف أوردها لكم كحالة دراسية لمعرفة ماذا تعرض له هذا الشاب السعودي وكيف حاله الآن رغم أنه لجأ لكل الجهات النظامية، فأين المفر من ظلم الشركات؟ فقد أرسل ما نصه:
1 - "حكومتنا ما قصرت بالشركات المساهمة تدفع نص رواتب السعوديين ولا تأخذ منهم ضريبة. إلا أنهم يمارسون السعودة إعلاميا وشكليا ولا يؤمنون إلا بالأجنبي لأسباب كثيرة. لا أعلم ما الذي أقوله لأهلي في القرية إذا فصلوني اليوم.
ولا أعلم ما الذي يحدث مع أسرة زوجتي إذا علموا بفصلي"
2 - سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تم إصدار قرار فصلي اليوم من الشركة "السعودية" المساهمة رغم أنني في آخر المحاولات عملت لهم جلسة "تسوية ودية" إلا أنهم استبقوا واستعجلوا القرار بفصلي قبل موعد الجلسة غدا بيوم. رغم أنني قابلت الرئيس التنفيذي وشرحت له مظلمتي، إلا أنه مصر على نقلي وبلغته أن هناك جلسة استمعوا لطرف محايد. لكن للأسف فصلوني اليوم. لمجرد أنني رفضت قرار النقل واعترضت على تقييم المديرين الأجانب.
3 - "السلام عليكم. دكتور محمد أتفهمكم من عدم كتابة مقال آخر وأنا انتظرت حتى يصدر لكم الحكم وتعرف كيف أن هذه الشركات تدعم الأجنبي.. أبشرك تم الحكم لصالحي بتعويض ضد الفصل التعسفي 17 ألف ريال .. وتقديم شهادة خدمة نظيفة. والاكتفاء بالتعويض عن الإرجاع للعمل. وعملت معهم مخالصة وإغلاق القضية.. أتمنى دكتور أن تنشر القضية بتفاصيلها وبالأسماء. دكتور محمد أقسم بالله العظيم أنه تم تأجيل حفل زواجي وتوترت علاقتي مع أسرتي بسبب هذا الموضوع..
4 - لم أستأنف الحكم لأن القاضي ترك لي فرصة إذا لم أرد التعويض أن أرجع لكن لاستعجالي لبحثي عن فرصة عمل أخرى ليس عند هؤلاء الذين لو رجعت لهم لحاربوني فاكتفيت بالتعويض وبالخبرة الوظيفية. أنا ليس لدي عمل وأبحث عن عمل وسوف أبدأ من جديد لتكوين نفسي وسوف أقوم بتأخير حفل زواجي بسبب هؤلاء الأجانب الذين هم مرتاحون مع أسرهم في السعودية. أرجوك أن تكتبهم بالأسماء وإذا أردت أن تحتفظ باسمي حتى لا يؤثر علي عند التقديم لوظيفة أخرى... وإذا أردت أن تنشر اسمي ليس لدي مانع القرار لديك.."
هذه مقتطفات من رسائل صديقي وفيها جميع أسماء المديرين والموظفين الأجانب أحتفظ بها للخصوصية، وفي هذه الرسائل من الألم ما لا يحتاج معه إلى شرح ولا هي بحاجة إلى مزيد من التعليق، حكم بالاختصاص في الوظيفية وتعويض عن الضرر بمبلغ أقل ما يقال عنه "إنه قليل" وحكم برد الطلب في العودة للعمل تحكم به وزارة العمل المسؤولة عن السعودة رغم أن لدى الشاب المؤهل المطلوب ولديه أيضا الخبرة، ولدى الوزارة فرصة نظامية للضغط على الشركات بالسعودة. ثم لم يكن من وزارة العمل إلا أن تركته في مهب الريح، لم تنصفه ولم تعنه في أن يجد عملا في مكان آخر، ولا أعرف متى يأتيه حافز إن أتى، وهل سيقتنع بحافز بعد فصله تعسفيا من عمله؟ لم تعد عندي توجيهات ولا حلول لهذا الشاب وأنتظر تعليقاتكم.