رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مناسبات سعيدة تخترق جدار الواقع المر

لا يملك الفرد أين ما كان إلا التفاعل مع محيطه وما يحدث فيه من تغيرات وتحولات سارة أو مؤلمة فالفرد ما هو إلا بمشاعره وأفكاره وبدونهما يفتقد جزءا كبيرا من إنسانيته ويتحول إلى ما يشبه الآلة أو ترس داخل آلة يتحرك داخلها دون قدرة على التأثير على حركة الآلة، ودور الفرد في هذه الحالة عندما يتفاعل مع محيطه هو التعبير بصدق ووعي عن مشاعره وأحاسيسه إزاء الحدث. خلال شهر رمضان المبارك عشنا أياما جميلة عمرت بالعبادة الخالصة لنعيد علاقتنا بالله - سبحانه وتعالى - وعلاقتنا بالآخرين وبالبيئة التي ننتمي لها بشقيها المادي والاجتماعي.
حل العيد وفرح المسلمون بقدومه استجابة لسنن الله الذي جعل الحياة متحولة في المواسم مع استمرارية مفهوم التعبد سواء خلال أيام الصوم أو عند الإفطار، لكن هذه المناسبات المبهجة لا يمكن أن تنسينا الأحداث المؤلمة التي تحدث على مدار الساعة في أرجاء متعددة في العالم وبالذات في عالمنا العربي والإسلامي ويعاني نتائجها المؤلمة عرب ومسلمون صغارا وكبارا، تنقل معاناتهم الفضائيات، حيث التهجير والإجبار على ترك البيوت ليجدوا أنفسهم بالعراء بعد أن كانوا في نعمة ورخاء، حيث تمر عليهم مناسبات الأعياد وهم في أوضاع سيئة، بل بالغة السوء ويكافحون للبقاء على قيد الحياة فالتهديد يلاحقهم على مدار الساعة.
الثنائية المتناقضة في الحياة لا تحدث بالمصادفة وإنما جذورها تعود إلى الأفكار والمشاعر التي يحملها الأفراد وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل ويكون الإصرار على الدفاع عنها والاستماتة في الدفاع عنها حتى لو تطلب ذلك خوض الحروب وتدمير الممتلكات وهذا ما يفسر لنا ما يحدث في أرجاء العالم من حروب ونزاعات.
العراق بعد عام 2003 والاحتلال الأمريكي تحول إلى ساحة صراعات داخلية عرقية ومذهبية وجدت مصادر تغذية وتشجيع لاستمرارها في وسائل الإعلام والبيوت ومنابر التأثير الأخرى، كما أن صراع المصالح الخارجية جعل من العراق ساحة له؛ فإيران التي هزمت خلال حرب الأعوام الثمانية وجدت فرصتها للانتقام من العراق والعراقيين بدعمها وتغذيتها لصراع مذهبي مرير امتد ليطال الأبرياء ليهجروا من بيوتهم وتفجر مساجدهم وتدمر ممتلكاتهم.
وابتلاء العراق ليس مقتصرا على صراع مكوناته العرقية والمذهبية ولا على تدخل إيران لتدعم وتقف في صف مكون ضد مكون آخر، بل وجدنا أن أمريكا وبريطانيا جعلتا من العراق ساحة اختبار لأسلحتهما وقوتهما ليكون العراق بأهله وثرواته ضحية أفكار انتقام وتوسع على حساب حياة الآخرين.
سورية البلد المجاور للعراق منذ ما يزيد على أربعين سنة عاشت تحت وطأة نظام عنصري أفرغ أحقاده الطائفية على الأغلبية السكانية، إذ مارس أساليب القهر كافة من سجن وتعذيب وقتل لكل من يعبر عن رفضه للنظام الطائفي حتى انفجر الوضع باحتجاجات سلمية حولها النظام لثورة كان ضحيتها حتى الآن مئات آلاف القتلى وملايين المشردين والمهجرين وتدمير المدن السورية لتتحول إلى أنقاض.
إذا كانت المنطقة العربية والإسلامية لها الحظ الأوفر من العنف والإرهاب فإن هذا لا يعني أن الأمر مقتصر عليها، بل الصراعات باختلاف أسبابها الظاهرة وباختلاف مستوى العنف والتدمير المصاحب لها تحدث هنا أو هناك في العالم إلا أن ما يجمع بينها كلها هو وجود محفز فكري ومشاعري وعقدي يحركها وقد يكون الفكر قناعة فكرية لفرد تتهيأ له الفرصة ليفرضها على الوطن بكامله كما حدث لحافظ الأسد حين سيطر على مقاليد الحكم ليفرض فيما بعد هيمنة الأقلية على الأكثرية وتتحول هذه الفكرة إلى سياسة نظام شمولية وجدت طريقها في مفاصل الدولة كافة ليكون التعيين في المناصب حسب الانتماء المذهبي.
الفكرة قد تكون قناعة اجتماعية وليست فردية تظهر في الدستور وتسن لحمايتها بالقوانين كما حدث في العراق بعد الغزو والاحتلال الأمريكي الذي كرس الطائفية في الدستور وسن مبدأ تقاسم السلطة على أساس مذهبي وطائفي وليس على أساس الكفاءة، ما أسفر من اقتتال وحروب داخلية أسست لشرخ اجتماعي ونفسي عميق لم يشهد العراق له مثيلا، حيث عاشت الطوائف وتزاوجت عبر تاريخها الطويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي