هؤلاء «الانتقاميون»
نعم هم "انتقاميون" على وزن "انتحاريون"، أو "تكفيريون"، أو "مخربون" وغير ذلك من الصفات والأشباه المحزنة، والموجعة في الوقت نفسه. لم يكن يدور بخلد كثير منا أن ينجرف شباب في عمر الزهور، بل هم في سن لا تمكن بعضهم من إصدار الحكم الصائب على الأمور التي يعيشها، ناهيك عن الخوض في مسائل أكثر تعقيدا، من خلال تعطيل كل ما يملكون من قدرات وهبهم إياها الخالق، وتسليم عقولهم وحواسهم لأدوات ما زالت تحاول يائسة أن تخترق هذا المجتمع المتماسك ـــ بإذن الله ـــ.
هل لغياب القدوة الحسنة دور في ذلك؟ ربما يكون غياب من يتأثر به هؤلاء الشباب من القدوات التي تنتشلهم من براثن الفكر الضال، وهواة التدمير والتخريب مهما يكونون. ثلة من الشباب حتى إن لم تكن لهم باع طويلة في الحياة، أو في التعمق في الدين، أو ممن لم تتح لهم الفرصة للأسفار والاحتكاك بمختلف الثقافات، وقعوا صيدا سهلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل التغرير الجماعي، لإغرائهم بأفكار متطرفة، وبعيدة كل البعد عن حياة الوسطية والعدالة، رغبة في كسب الأضواء وتحقيق مكاسب وهمية لا يرونها بأعينهم، بل يزيدها المضللون بريقا في أعين الساقطين في هذا المستنقع من اللاحقين بمن سبقهم. ولو قُدر لهم أن يعودوا إلى الحياة لتغيرت آراؤهم، وممارساتهم تغيرا جذريا، للحد من هذا الانجراف الخطير لمن يتبعونهم.
ما زالت قوافل المنكوبين مستمرة، حفظ الله شبابنا من مخاطرها. لكن عند الحديث عن هذه الوقائع لا بد من البحث عن العوامل السلوكية، والمجتمعية المشتركة بين هذه الحالات وبين من وقعوا صيدا سائغا لجماعات الإرهاب المضللة. لا بد من مناقشة أوضاعهم التعليمية، انقطاعهم عن الدراسة، عدم تمكنهم من الحصول على فرص العمل المجزية التي ستكون عونا لهم على الخروج من دائرة الفراغ العاطفي والفكري. غياب القدوة التي يحاكيها هؤلاء الشباب بمختلف الأطياف الفكرية، غياب مراكز استعادة الشباب من الوحدة والانقطاع، والانكفاء على الذات، بما يجعلهم صيدا سهلا لمن أراد تضليلهم وإغواءهم لتنفيذ أجندات خارجية أو مخالفة لما تطمح إليه الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الوطن.
الشباب طاقة يجب أن تستغل لمصلحة الدين والوطن، وأن يكونوا لبنة بناء هادفة لا معاول هدم وتخريب. أيضا وجود من يجيدون التلون داخل المجتمع للتغرير بالشباب والظهور بمظهر المعتدل بعد ذلك، من أكبر الأخطار التي يخشى منها، ويجب التركيز على تجفيف منابعها.
الأمل الكبير منعقد على قادة العلم والمعرفة في بلادنا، وعلى كل معتدل ناجح في مجاله الذي ينشط فيه. وذلك كله مدعوم بقدرات هائلة لرجال أمننا المخلصين، الذين يملكون المعرفة والدراية التامة بمجريات الأمور، ويتعاملون مع كل الظروف والعوامل بحكمة ومعرفة، وستبقى بلادنا ـــ بإذن الله ــــ منارة الإسلام، وقدوة لكل المسلمين.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.