المعاهد العلمية وتصحيح المسار
بعد أن أصبح التعليم بقسميه العام والجامعي منظومة واحدة، بات من الضروري إعادة الحديث حول ما يسمى "المعاهد العلمية"، التي تؤدي دور المدارس الثانوية وتتبع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
المعاهد التي تأسست قبل أكثر من 45 عاما وتتوزع على خريطة مناطق المملكة ويبلغ عددها 60 معهدا تضم قرابة سبعة آلاف طالب، وقد كان تأسيسها في مرحلة زمنية كان التعليم فيها محدودا، ولجأت معظم الجهات لتقديم حوافز سريعة، بهدف نشر العلم وتخريج كوادر لديها الحد الأدنى من العلم الشرعي وبعض علوم الحياة.
مرت سنوات كثيرة على تأسيس "المعاهد العلمية" التي اقتصر دورها على العلوم الشرعية واللغة العربية، وقد حققت دورها الذي أسست من أجله واستفاد خريجوها من الفرص الحصرية في إكمال الدراسة في جامعة الإمام في الكليات الشرعية،
لكن اليوم تشهد هذه المعاهد تراجعا في المستوى، وضعفا في الإقبال، يجعل استمرارها تحت مظلة الجامعة فيه كثير من الصعوبات، ولذلك يظل مكانها الطبيعي أن تكون تحت إشراف التعليم العام ضمن منظومة المدارس الثانوية، التي خضعت أخيرا لأنظمة تطويرية كثيرة بهدف تجويد المخرجات ومواكبة المتغيرات العصرية.
"المعاهد العلمية" بوضعها الحالي تشكل عبئا على المنظومة التعليمية، وتسهم في هدر مالي وبشري، وتعاني إشكاليات كبيرة في ضعف التأهيل، وجمود الأفكار، وغياب الدورات التدريبية، ومركزية القرار، ولا يمكن لها الاستمرار بالأداء الرتيب نفسه، وما يزيد الأمر تعقيدا الهيكلة الكبيرة التي قامت بها جامعة الإمام خلال السنوات الأخيرة ونتج عنها افتتاح عدد كبير من الكليات التطبيقية، وتطوير الكليات الشرعية، لتتناسب مع احتياجات سوق العمل، مما جعل الفرص تتضاءل كثيرا أمام خريجي المعاهد العلمية، وربما كان البعض منهم ضمن إحصائيات البطالة نتيجة لهذا الخلل بين المخرجات والرغبة في مواكبة فرص العمل المستقبلية.
ولذا يظل القرار المنطقي تصحيح مسار المعاهد العلمية لتكون تحت إشراف وزارة التعليم مباشرة وليس جامعة الإمام، أسوة بمدارس التعليم العام، ومدارس تحفيظ القرآن، والمدارس الحكومية والأهلية الأخرى.
هذا القرار ربما يجد معارضة شكلية من منسوبي المعاهد العلمية، أو الإدارة العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود، ولكن علينا أن نتجاوز النظرة الضيقة والمصالح الشخصية التي قد تكون وراء المعارضة، فالهدف تنظيمي وتطويري يخرج المعاهد من مسارها الضيق إلى آفاق تنموية رحبة أسوة بقرارات عليا سابقة في هيكلة التعليم مثل دمج رئاسة تعليم البنات مع وزارة التربية والتعليم، ودمج مدارس الحرس الوطني، ومدارس الأبناء ضمن مدارس التعليم العام، وفصل فروع جامعات لتتحول إلى جامعات مستقلة. فكيف سقطت المعاهد العلمية من ذاكرة التطوير؟