رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مستقبل غازنا الناضب

قد يتهيأ للبعض أن الغاز، كمصدر للطاقة، أكثر دواما من السوائل النفطية، أو أنه سيصبح منافسا أو حتى بديلا لها. وفي الواقع أن نسبة كبيرة من الغاز في السعودية، على سبيل المثال، يتم إنتاجها مع السائل النفطي، ويسمى بالغاز المصاحب. وقد يكون مع النفط وأصبح جزءا من المخلوط الغازي والسائل النفطي. ولولا الله ثم وجود كميات كبيرة من الغاز ذائبة في السوائل النفطية داخل مسام صخور المكامن، لما أمكن استخراج النفط بالسهولة التي نمارسها اليوم. فالغاز يمثل القوة الدافعة التي ترفع السوائل إلى أعلى. وعند صعود النفط ووصوله إلى معامل الإنتاج، ينفصل الغاز عن السائل النفطي ويتجه إلى مرافق خاصة ومهيأة لتجميعه ومعالجته ومن ثم توزيعه في مواقع الاستهلاك. والغاز المصاحب سينخفض إنتاجه مع مرور الوقت ونفقد حينها كميات كبيرة منه كلما اقتربنا من نضوب حقول النفط. وهناك الغاز غير المصاحب، وهو الذي يوجد في حقول خاصة، ودون وجود النفط الخام فيها. وفي السعودية لدينا النوعان من الغاز، ومجموع الاحتياطي قريب من 300 تريليون قدم مكعب، 60 في المائة منها الغاز المصاحب. وإنتاجنا اليومي ربما هو قريب من 12 مليار قدم مكعبة. ورقم الاحتياطي لا يشمل الغاز الصخري الذي لا يزال تحت التحديث. ومع ذلك فنحن نعاني نقصا شديدا في المصادر الغازية، ونضطر سنويا لتغطية ذروة استهلاك الطاقة الكهربائية بإحراق كميات كبيرة من النفط الخام المعَد للتصدير. كما أن إنتاجنا من الغاز لا يفي بجميع متطلباتنا الصناعية. وكان لنا أمل كبير في استخدام الطاقة الشمسية عوضا عن إحراق السوائل النفطية الثمينة، ولكن حتى الآن لم يكتب الله لنا التوفيق في هذا المجال، على الرغم من وجود النية منذ أمد بعيد، ولكنها الإرادة التي لا نزال نفتقدها. وقرار عدم التفكير في تصدير الغاز فيه كثير من الحكمة.
فمتطلبات الغاز في بلادنا تفوق بكثير الكميات المتوافرة، ناهيك عن أن الموجود منها قابل للانخفاض، مما قد يضع كثيرا من مشاريعنا الصناعية، الحالية والمستقبلية، في حرج في حالة عدم وجود مصادر جديدة للطاقة. كنا نأمل، قبل أكثر من 25 عاما، أن يكون لنا نصيب من الغاز القطري الذي كانوا يعرضونه آنذاك، حسب علمي، بأسعار معقولة. ولكننا لم نكن في ذلك الوقت نملك بعد الرؤية والنظرة الثاقبة لمتطلبات المستقبل. فعندما كان الموضوع مطروحا لنقاش الجدوى الاقتصادية لتوريد الغاز، كان البعض يقارن قيمة سعر الشراء بتكلفة الإنتاج فقط عندنا. ولم يعط قيمة للغاز المخزون تحت الأرض، الذي كان من الممكن توفيره للمستقبل. وهكذا دائما حالنا، نفكر في الحاضر ولا نحسب حسابا للمدى الطويل المقبل. وربما أن الآمال، حينئذ، كانت كبيرة لاكتشاف مزيد من حقول الغاز، وهو ما لم يصل حتى الآن إلى مستوى طموحنا. وربما أن العوض اليوم هو في إقامة صناعة متكاملة للطاقة الشمسية، تكون رافدا للوقود الغازي خلال أوقات ذروة الاستهلاك.
ومع تطور إنتاج الغاز الصخري في أمريكا، بدأت تنتعش الآمال في كثير من دول العالم التي يثبت المسح المبدئي احتمال وجود غاز صخري في أراضيها، ومن ضمنها السعودية. فليس هناك شك في أن أرضنا الواسعة تحوي نفطا وغازا صخريا بكميات قد تكون كبيرة. ولدى شركة أرامكو السعودية الآن نشاط متميز للمسح والاستكشاف الذي سيؤدي ــ بإذن الله ــ إلى نتائج إيجابية. وللعلم، فإن الشركة لم تعلن بعد عن أي معلومات رسمية تؤكد وجود وتقدير كميات النفط والغاز الصخري. ولكن المعروف أن تكلفة الصخري بأنواعه مرتفعة وكميات إنتاجه قليلة، مقارنة بإنتاج النفط والغاز التقليدي. وقد لا يكون الإنتاج مجديا اقتصاديا عند مستوى الأسعار الحالية، حتى عندما كانت قريبة من 100 دولار للبرميل. ونعد إنتاج الغاز والنفط الصخري في أمريكا الشمالية، عند الأسعار التي كانت سائدة قبل الانخفاض الأخير، حالة استثنائية خاصة أو هي خصوصية أمريكية، نظرا لوجود عوامل إيجابية كثيرة لا تتوافر لكل أو لمعظم الدول الأخرى، منها الجيولوجي ومنها اللوجستي، إلى جانب أمور أخرى. والآن، وقد وصلت أسعار مصادر الطاقة المتجددة مستوى ينافس جميع المصادر المعروفة، بما فيها الغاز، فمن الحكمة ألا تفوتنا فرص استخدامها، ليس فقط من أجل توفير السوائل النفطية، بل أيضا لتوفير الغاز. فنحن الآن على أبواب بدء ثورة الطاقة الشمسية النظيفة.
ولعله من نافلة القول التذكير بأن الأسعار الحالية المحلية للغاز والمشتقات النفطية لا تتناسب مع الظروف المتغيرة، التي من أهمها ارتفاع تكلفة الإنتاج. فتكلفة إنتاج النفط وحدها الآن، وليس قيمة النفط نفسه، تكاد تكون ضعف سعر البيع محليا. والشيء نفسه ينطبق على الغاز. فالسعر الحالي عند 75 سنتا للوحدة الحرارية، الذي مضى على إقراره أكثر من 35 عاما، أقل بكثير من تكلفة إنتاجه. وقد حان الوقت لمراجعة هذا الموضوع وتعديل الأسعار. ونحن لم نبدأ بعد في إنتاج الغاز الصخري، الذي من المؤكد أن تكلفته ستكون أضعاف تكلفة إنتاج الغاز التقليدي. فلا بد إذا من قراءة جديدة لمستوى الأسعار تتناسب مع الأوضاع المتغيرة. ونحن لا نود الدخول في تفاصيل كيفية رفع الأسعار الحالية إلى مستويات جديدة من أجل المصلحة العامة، ولكننا نقترح أن يكون رفع السعر تدريجيا وبنسب سنوية تستمر حتى نصل بكل هدوء إلى المستوى المطلوب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي