العيدية .. ثروة الأطفال
يعرف الأطفال، وهم أصدقنا إحساسا، ملمس النقود الجديدة ويسعدون كثيرا ـــ كبقية البشر ــــ بجمعها. ورغبة في إسعادهم وتفاعلا مع هذه المناسبة الجميلة يحرص الكثيرون منا على توزيع هدايا العيد بأنواعها التي يسيطر عليها النقد بشتى فئاته، حسب الوضع المادي للأسرة، ولا نهضم حق المبتكرين في منح الهدايا والعيديات الأخرى.
ولست أود الحديث عن أشكال إدخال الفرح والبهجة في قلوب الآخرين، المادية وغير المادية، فهي متعددة متنوعة وفسحة الابتكار والتجديد فيها كبيرة؛ هي أفعال تجدد العطاء وتحرر المشاعر، هنيئا لمن يعتادها. ولكن، فرصة الاستفادة من الجانب المادي للحدث الموسمي كبيرة وتعظيم أثره يستحق التوقف.
كيف يمكن أن نستفيد من هدايا العيد لتحقيق أكبر تأثير في نفوس وسلوك أطفالنا، تحقيقا لذواتهم وتأكيدا لهدف هذه المناسبة السعيدة؟ إن الفرصة سانحة لتقديم درس ثمين وبهيج في التربية المالية باستخدام بعض الخطوات المحفزة لتفكير الطفل وتوجيه سلوكه.
يبدد معظم الأطفال النقود التي يجمعونها في شراء اللعب والحلوى. وأنا لا أدعو لتوجيههم لغير ذلك، فهذا حق لهم وهو سبب حصولهم على هذه المبالغ أساسا، قَلّت أو كَثُرت. إلا أن توجيه الطفل والاستفادة من هذه الفرصة لتركيز بعض اهتماماته المادية وأسلوب تفكيره سيشكل تجربة فريدة قابلة للتحول إلى عادة سنوية يستند إليها في تحفيز ذاته وتنمية مواهبه في الإدارة المالية.
على سبيل المثال، سيكون من الملائم أن يعترف أهل الطفل بملكيته الجديدة، سواء كانت ألعابا أو نقودا، وذلك باستخدام الألفاظ الإيجابية وتقدير ما حصل عليه. شعوره بالاستقلالية ــــ في نطاق أكبر من المعتاد ـــ يشكل له خطوة انتقاليه قوية لتنمية وعيه الذاتي.
يتصرف الطفل سريعا في ثروته الجديدة، حينما يتم إغراؤه باتخاذ القرارات السريعة موافقة لأصدقائه أو ربما استجابة للأمر الواقع؛ تماما كمن يذهب بأطفاله إلى محال الألعاب ليبددوا ما جمعوه في بضع دقائق لم تبدأ بتخطيط ولم تعزز بنقاش يؤيد قراراتهم. من المهم أن نمنح هؤلاء الصغار فسحة التخطيط، ونقربهم أكثر من مهارات اتخاذ القرار، وهذا ليس مبكرا في أعمارهم مهما صغرت. تجربة الطفل الشخصية في الإدارة تبدأ من ممارساته داخل الأسرة. قد يحصل مثل هذا الأمر بتعزيز قرار الطفل ـــ وليس بتغييره ــــ بعد الإجابة عن بعض الأسئلة الأساسية، مثل: لماذا تشتري تلك اللعبة؟ ومن سيشاركك إياها؟ وكم من الوقت ستبقى لديك وهي بحالة جيدة؟
تحمد الصدقة يوم العيد، ولا أفضل من الأثر الذي تصنعه تجربة الطفل المتصدق بعد اقتداره. لذا، قد يوجه الطفل نحو التصدق لطفل محتاج بعشر ثروته الصغيرة، وربما أقل، أو على الأقل يهدي منها لأصدقائه. تحفيز الأطفال لفعل ذلك ينجح بسهولة، فنفوسهم أطهر وفطرتهم أرق وأجمل. هناك، على سبيل المثال، من يمنح طفله عيدية إضافية إذا تصدق بجزء منها وادخر مثله.
أما ادخار جزء من هذه الثروة فأمره مهم، به يستديم أثرها في نفس صاحبها الصغير، وإن قل. وبه يدخل البعد الزمني كعنصر أساسي في تفكير الطفل، وهذا من أعظم ما ينقص ثقافتنا المالية اليوم. وأما إذا صعب على الوالدين إقناع طفلهم بفكرة الادخار، ربما يقنعوه بجعل الصرف بين فترتين متباعدتين، مثلا، اقسم ثروتك واشتر اليوم لعبة ولعبة ثانية بعد شهر، أو اشتر لعبتين، إحداهما تستخدم الآن والأخرى لاحقا.
كما نهتم بتعليم وصحة أبنائنا، لابد أن تستغل كل الفرص لبناء تجاربهم المالية وتعزيز مهارات صنع القرار والاستقلالية والتخطيط والتعامل مع الفرص، فهذا أقل الإجراءات التربوية الوقائية التي تمنحهم حدا أدنى من المناعة ضد الأيام المتقلبة والتحديات القادمة. لهذه التجارب أثر عظيم إذا ما تم تجسيد جوانبها باعتناء، وأكبر المعوقات هنا هو تجاهل الآباء للأبناء والتقليل من أهمية هذا المناسبات الشخصية المهمة لهم.
يبدأ الفشل من عدم تمكننا من صنع الرضا لدى المستفيد من هذه الهدايا العيدية؛ إذا أخذ الطفل عيديته ولم يشعر بحلاوتها فهذا يعني أننا فشلنا في التعامل معه ومع المناسبة. بغض النظر عن حجم المبالغ أو عدد الهدايا التي يجمعها الطفل، وبغض النظر عن مستوى المقارنات التي يسقَط بها الطفل أو يرى نفسه فيها، وبغض النظر عن طبيعة أدوات الترفيه التي يحظى بها خلال فترة العيد؛ القليل من الكلمات اللطيفة والتوجيهات الذكية التي تلفت انتباهه إلى حظه الجميل كفيلة بتعظيم حجم الاستفادة الممكنة من ثروته الصغيرة وثرواته القادمة بإذن الله. وكل عام وأنتم بخير.