رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعادة .. تواصل الإنسان مع أخيه الإنسان

رمضانيات - 12
- هل أتيحت لك الفرصة يوما أن تلتقي مجموعة من اللاجئين أو النازحين؟ ربما لا. هل تشعر بما يشعرون؟ هنا تكمن إنسانيتك الحقيقية. متى شعرت وأحسست ولمست وأدركت أنهم أناس مثلك فقدوا ديارهم، وأمنهم، وشُرِّدوا بعيدا عما ألفوه من ناسهم، وما عاشوا فيه من أوطانهم، وصاروا مواكب حزن بشري بلا هوية، بلا مكان، بلا حاضر، وبلا مستقبل. يجرّون أنفسَهم ثقالى من ألم الأحمال، وأحمالهم هي الحزن والتيه والقهر والعذاب والضياع والظلمة وهرس كرامتهم في كل مكان كل وقت وكل ظرف. تراهم يعيشون معا، كل فرد منهم يستجدي أمانا زائفا من الآخر، كل منهم يلتصق بالآخر لأن كل فرد منهم وطن وملاذ للآخر. وبينما تتقاسم العائلات الطعام سويا على وجبات ثلاث في اليوم، يتقاسم هؤلاء المعذبون في الأرض وجباتِ العذاب طيلة اليوم. بشر مثلك ومثلي، آباء وأمهات وأخوات وإخوان وبنات عمومة وبنو عمومة مثلنا كلنا لايعرفون من خريطة الحياة سوى طريق الآلام.. الشعور بما يعانون يحرر كامل وجودك لتفعل لهم شيئا من أجل الله ثم من أجلهم.. ثم لأمر مهم: من أجلك أنت! لأن مصيرك مشترك مع مصائرهم.
- الاتحاد بين البشر أفرادا ومجموعات ومجتمعات هو معيار التقدم البشري، وصفة فضله على بقية مخلوقات الله. وليس المقصود بالتعاون والاتحاد الإنساني وتضامنه هو اندماج الذات في جموع متجانسة، بل كل القصد هو تحقيق المشاركة الحقيقية بين ذوات حرة تعطي وتأخذ وتعمل وتتفاعل وتؤثر وتتأثر. ودرس الفلاسفة العلميون التواصل الفردي كثيرا، ومنهم الفيلسوف الألماني ليبنتس Leibnitz، الذي قال إن الفرد عبارة عن ذرة فردية منفصلة عن بقية الذرات الفردية الأخرى روحيا وماديا، والصحيح في اعتقادي هو بالمنطق التآزري التعاضدي والتماسكي بين الأفراد ويظهر شاهقا ساطعا بقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه". وقوله صلى الله عليه وسلم :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
- يأتي من يقول وهو يحمل وجهة نظر منطقية قابلة للتحقق والتحقيق فيقول لك:"إن الأفراد هم بطبيعتهم في الأصل غرباء عن بعضهم قد يتلاقون ولكن لا يلتقون، يحتكون ولا يتعارفون، وكل ما يتبادلونه إن تبادلوا شيئا فهي أمور لا تخدش سطح أعماقهم الداخلية" وهذا مظهر ليس من السهل دحضه، فالعلاقات الإنسانية ليست قوانين رياضية ولا فيزيائية بل طبيعتها التبدل والنمط المختلف بين الأفراد، بينما أرى شخصية الفرد ليست صندوقا محكم الإغلاق مرمي في قاع البحر، وليست منطقة مغلفة بأسوار سميكة لاينفذ لها شيء، ولا ينفذ منها شيء. على العكس الشخصية الإنسانية في تفسيري كقماشة الشاش تخرج الكثير القابل للإخراج وتمنع الشبكات الصغيرة نفاذ الأشياء الكبيرة فتبقى شخصية بحتة. هناك شخصية عمومية مفتوحة، وشخصية خاصة لا يجوز لأحد باعتبار الحرية الفردية أن يقتحمها. والشخصية العامة لا وجود لها في الحياة والإيقاع اليومي إلا بوجود الشخصيات الأخرى والتفاعل معها من خلال قماشاتها الشاشية تلك. والحقيقة كلما زاد التزام الشخصية الفردية بالشخصيات الأخرى تعزز وجوده في هذه الحياة ونما دوره وعلت أهميته. وكلما انزوت الشخصية عن الشخصيات الأخرى صارت أكثر هشاشة أمام الاهتزاز النفسي وقد يقود لتخبطات ذهنية.
- إذن، فلنعزز قيمة وجودنا بالالتزام أكثر بواقع معاناة الآخرين.. وبواعث حبورهم أيضا. وعيدكم مبارك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي