نزعة الخير .. الجهود الفردية والمؤسساتية
النزعة الإنسانية المتمثلة في التعاطف والدعم للأفراد الآخرين ومشاركتهم مشاعرهم تمثل ميلا فطريا أودعه الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ لدى بني آدم، ولكن بنسب مختلفة، بناء على التربية والثقافة التي يعيش فيها الفرد من خلال ما يتلقاه في المدرسة أو المنزل، أو ما ترسخه وسائل الإعلام في ذهن الفرد وما تخلقه من قيم. القصة التي يسمعها أو يقرأها الفرد، أو الفيلم الذي يشاهده، أو الكاريكاتير الذي يسقط فكرة تستثير كوامن الشعور الإنساني لدى الفرد ليتصرف باتجاه الوقوف مع الآخرين في أزمتهم وظروفهم الصعبة، كما في حالة الفقر، أو المرض، أو الكوارث.
في كل مجتمعات العالم يوجد أناس يعانون باختلاف نوع المعاناة التي يتعرضون لها كمرض، أو فقر، أو بطالة، أو تشرد، وما أكثر المشردين في مدن العالم، حتى أن الإحصائيات تشير إلى ملايين الأطفال الذين يعيشون في الشوارع، ويكون مصيرهم الضياع، والاستغلال من قبل جماعات الإجرام، والمافيا التي تفتقد الحس الإنساني. ومع هذا الوضع تتحرك المشاعر الإنسانية على المستوى الفردي، أو الجماعي لدى فئة من الناس تعمل بصورة مؤسسات مدنية وفق أنظمة، وبرامج، ويكون لها مصادر تمويل، إما بصورة أوقاف أو تبرعات، وأحيانا دعم حكومي لمؤسسات المجتمع المدني.
السؤال المهم الواجب مناقشته، خاصة في منطقتنا، وبعد ما حصل من تضييق على المؤسسات والهيئات الخيرية بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) كيف يمكن الاستمرار في تقديم العون والدعم للأفراد والجماعات المحتاجة؟ أي ما الآلية المناسبة؟
الجهد الفردي هو الغالب، لكن هذا الجهد محدود في دائرة ضائقة حسب معارف الفرد وجهوده، ومهما كانت هذه الجهود لن تتمكن من أن تصل إلى المحتاجين الحقيقيين، ولذا العون الفردي لن يصل إلى الحالات الأكثر إلحاحا وحاجة. في عالمنا العربي، والإسلامي تمر علينا مناسبات عدة في السنة تتمثل في الزكاة والصدقات وأعمال البر الأخرى كسقيا المياه خلال أيام الصيف، وزكاة الفطر، ويجد الفرد نفسه في هذه المناسبات محتارا في معرفة الأكثر احتياجا. في بلادنا تكثر أعمال سقيا المياه في الشوارع والمساجد، وتفطير الصائم في رمضان، لكن السؤال الجوهري هل تصل أعمال البر إلى الأكثر احتياجا في المجتمع المتعففين "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"؟
هل من الممكن إيجاد مؤشر اجتماعي يكون دليلا يساعد على الوصول إلى الأفراد، والأسر المحتاجة، حتى لا يختلط الأمر على الساعين للبذل والمساعدة؟
نوع السكن، عدد أفراد الأسرة، الدخل، الحالة الصحية، والإعاقات، هذه ربما تمثل مؤشرات تمكن من الاستدلال إلى الحالات المحتاجة المتعففة، وهذا يتطلب جهة مركزية تتوافر لديها قاعدة معلومات لكل مدينة، وحي، وربما يكون للعمد، وأئمة المساجد، ومديري المدارس، إضافة إلى الإخصائيين الاجتماعيين دور في تشكيل قاعدة المعلومات على أن يكون عمل هذه الأطراف مستمرا، وبلا توقف لأن الأوضاع الاجتماعية متغيرة، ولا تستقر على وضع واحد.
الحالات الواضحة كالمشردين وأطفال الشوارع والمرضى، يمكن الوصول إليهم وتقديم الخدمة لهم في المواقع التي يوجدون فيها، وقد شاهدت خارج المملكة أنشطة تؤديها مؤسسات المجتمع المدني كالكنائس وجمعيات الأطباء، إذ شاهدت سيارات تابعة لجمعيات تقدم الطعام، والخدمات الطبية لمشردين يوجدون في الحدائق العامة، أو الذين يحتمون بالأماكن المهجورة، أو الكنائس خاصة في زمن الشتاء.
إزاء هذا الموضوع أقترح إيجاد نظام تكاملي يقوم على أساس دائرة الحي، والقرية، ثم دائرة المدينة، ودائرة المنطقة، ثم الوطن، والدائرة الكبرى دائرة الأمة، على أن يتم تبادل المعلومات، والإمكانات، فما يفيض في الحي يمكن ترحيله على مستوى المدينة، وكذلك ما يزيد على مستوى المدينة يرحل للحي إن كان هناك حاجة، أو على مستوى الوطن، ثم ما يزيد على مستوى الوطن يرحل لتقدم الخدمة على مستوى الأمة.
في ظني أنه مع تقدم التقنية لن يكون مستحيلا توفير المعلومات لمن يرغب في الاستعانة بها لإيصال أعمال بره للأكثر استحقاقا.