السياسات ثلاثية الأبعاد
اعتدنا أكثر في المشهد السياسي، على علاقات العدو والصديق المحددة على نحو أكثر وضوحا. ويبدو أن هذا العصر يحمل علاقات مركبة ومختلفة في تفاعلاتها، بين سياسية/ جيوسياسية واقتصادية متداخلة، ويخدم بعضها بعضا. العلاقات الإيرانية - الأمريكية الروسية ولربما التركية أيضا خير مثال، وكذلك العلاقات الخليجية الإقليمية والدولية التي أخذت منحى جديدا، وليست السعودية بعيدة عن ذلك. والأمثلة الحية عن تغير طبيعة العلاقات بين الدول في المنطقة والعالم خير دليل، سواء مع توقيع اتفاقية النووي مع إيران أو عدمه، حيث تأخذ العلاقات منحنيات مفاجئة أحيانا. روسيا على سبيل المثال لديها حسابات استراتيجية معقدة في علاقتها بإيران، كما سياستها تجاه برنامج إيران النووي. وهي واحدة من الدول الست العظمى التي تفاوض إيران في هذا الشأن. هل كانت في مفاوضاتها تحمي مصالحها لدى إيران في المنطقة أم تؤدي دورا مركبا أكثر؟ بطبيعة الحال فإن موسكو تستخدم ورقة إيران لتستفيد من تنازلات غربية لها بالمقابل.
نعرف أنه لم يكن بين الجارتين قبل المستجدات علاقات استراتيجية عريقة، إلا أن التطورات الإقليمية والدولية ومن بينها أحداث ما سمي بالربيع العربي، كل ذلك فتح المجال لعلاقات صداقة وتحالف جديدين. فما فعلته روسيا مع أوكرانيا تسبب لها في عقوبات غربية، كما العقوبات الغربية على إيران بسبب المشروع النووي. وسوى ذلك من تغيير معادلات القوى في المنطقة، حين دخلت الصين على الخط بعلاقاتها التجارية مع البلدين. ما يعني الاتفاق على عدو واحد وقضايا مشتركة من بينها التحديات الاستراتيجية وأزمة النفط. لذا فإيران تسعى الآن لعلاقات متوازنة مع الشرق والغرب، مع إبقائها على حلفائها والتفاعل مع علاقات جديدة. ورغم ما يمكن توقعه من منافسات ضمنية هامشية بين إيران وروسيا على مستويات اقتصادية لاحقا، فإن ما يمكن أخذه في عين الاعتبار هو التعاون الصناعي بينهما فيما يخص كل من الصناعة النووية، والعسكرية إضافة إلى تعاون ناشئ في صناعة المعدات البترولية والبتروكيماويات، والتعدين والمعدات الثقيلة، والسكك الحديدية وغيرها. كل ذلك مع العلاقات التجارية المتضاعفة.
لكن النقطة الأساسية من استعراض هذا كله، أنه بعيدا عن العلاقات والمصالح المشتركة الموجودة والمحتملة بين البلدين، فإن روسيا الآن تنتظر تعاونا نوويا قادما مع السعودية كشريك جديد، هي المنافس القوي لحليفها الإيراني على أي حال. وذلك إضافة لاتفاقيات مختلفة سعودية - روسية تم التوقيع عليها معا أخيرا. العلاقات والمصالح المتغيرة تترافق ومستجدات سياسية مركبة. موسكو ترغب بطبيعة الحال في أن تعزز حضورها في المنطقة لأبعد من إيران، والسعودية واحد من الخيارات المهمة. العلاقات والسياسات والتحليلات كذلك، جميعها يأخذ شكلا ثلاثي الأبعادThree Dimensional. تماما كما لعبة تنقلك من مستوى أولي بسيط إلى مستوى ثان وثالث معقد في التركيز والذكاء، أو ربما جهاز رياضي ينقلك من مستوى سهل إلى مستوى يحتاج إلى مرونة ولياقة كبيرة. في السياسة لا عدو دائم ولا صديق دائم، بل مصالح مشتركة، ورؤية أوسع تحتاج أكثر من عينين، للإحاطة بالزوايا المختلفة والأكثر تعقيدا.