رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وأخيرا الفساد .. في مصيدة «الموبايل»

يستمر إعلام التواصل الاجتماعي في استحواذ المزيد من الجمهور والأنصار، ويكسب ثقتهم ويدخل في قلب الأحداث اليومية التي يتفاعل معها المجتمع، ويتعامل معها ويحقق فيها، ثم يكتب لها روشتة الحل والعلاج.
لقد حقق إعلام التواصل الاجتماعي في الشارع السعودي في الآونة الأخيرة عديدا من الضربات الموجعة للفساد الذي ينتشر كالأخطبوط في أماكن متفرقة من حياتنا ويعانيه الناس في شتى أنشطتهم وأشغالهم.
ويكفي المواطن أن يكون معه جوال (موبايل) ليصور المفسدة بالصوت والصورة، ثم ينقلها إلى أعلى وأدنى سلطة، ثم ينشرها بين العدد الغفير والكبير من الناس في شتى أنحاء المملكة، وربما تصل رسالته إلى الملايين في جميع أنحاء العالم.
وهناك الكثير من الصيد الثمين الذي وقع أخيرا في فخ الجوال، ولكنّ حادثتين ــ بالذات ــ هزتا الأوساط الاجتماعية في المملكة ونذكرهما ــ على سبيل المثال ــ ففي مستشفى الملك فهد في جدة كانت الصراصير تعيث فسادا في غرف المرضى وفي أروقة المستشفى، ولقد غابت النظافة ومكافحة الحشرات حتى أصبح الصرصار حرا طليقا يتجول في الغرف وفوق أسرة المرضى كأنه يتفقد المرضى ويكتب لهم روشتة الوباء والمزيد من الأسقام والمعاناة.
ولقد قام الموبايل بعمليات ناجحة حيث التقط صور الصراصير التي كانت تسرح وتمرح فوق الأسرة ثم تقفز مزهوة بحركاتها الأكروباتية في جدار الغرف، ومن الجدار تتمخطر مزهوة بصحتها وكأنها تغيظ المرضى، وتقفز إلى سقف الغرف تمرح وتتباهى في حرية وانتشاء.
حادثة الفساد الثانية التي استطاع الجوال أن يصورها بالصوت والصورة هي مجموعة ملفات مشبوهة ينتشر الفساد في كل أوصالها، وهي ملفات تخص الضمان الاجتماعي في منطقة تبوك، حيث عرض أحد الموظفين على مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مجموعة الملفات التي قال إنها مزورة وفاضحة تخطف أموال المحتاجين المستحقين، وتعطيها للقادرين وغير المستحقين، والتمس المواطن أن تتاح أمامه الفرصة لإطلاع المليك المفدى على محتويات هذه الملفات.
والحقيقة أنه من دون هذا الساحر العجيب (الموبايل) لا يستطيع الإنسان بقدراته البشرية المحدودة أن يكشف النقاب عن هذا الفساد الذي انتشر بين الناس حتى شوه حياتهم، وأفسد أخلاقهم، ولوث ضمائرهم.
قال تقرير أصدرته كلية دبي للإدارة الحكومية، إن مواقع التواصل الاجتماعي ستواصل لعب دور مهم في الحراك الاجتماعي، خاصة لدى شريحة الشباب، وأشار التقرير إلى تنامي العدد الإجمالي لمستخدمي موقع فيسبوك في العالم العربي إلى 21.3 مليون في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وأشار التقرير إلى أن الشباب يمثلون 75 في المائة من مستخدمي "فيسبوك" في العالم العربي، وذكر التقرير أن الإمارات العربية المتحدة جاءت في المرتبة الأولى بين دول العالم العربي من حيث استخدام "فيسبوك"، حيث إن 45 في المائة من سكانها لديهم حسابات على الموقع، كما جاءت الإمارات بين أكثر عشر دول في العالم استخداما للموقع من حيث عدد السكان.
ومن الأهمية بمكان أن نؤسس لظاهرة بهذا الانتشار العالمي، إدارة مختصة في وزارة الثقافة والإعلام تتواصل مع فروع معنية في كل مؤسسات الدولة مدعومة بكوادر متخصصة عالية الكفاءة قادرة على متابعة الرسائل التي تنتشر في دقائق بين مئات الآلاف من المتلقين وتفحصها وتحقق فيها، بحيث تتعامل هذه الإدارات مع قضايا الفساد بسرعة قبل أن تتخاطفها يد الفساد فتعبث بها وتضيع أدلتها وبراهينها.
إن انتشار وتيرة الفساد في مؤسسات المجتمع ألحق أضرارا بالغة بمستقبل الشباب، وإن عصر المعلومات العالمي يتطلب فهما أكثر لتطلعات الشباب، ويجب أن ندرك بأن السياسة الذكية في عصر العلاقات والمعلومات تجمع بين القوتين الصارمة والناعمة، والثورة الإلكترونية صممت فكرها الخاص بها كما صممت قيمها الجديدة.
وإذا كنا لا نزال ننظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي بأنها أندية للتسلية وتزجية أوقات الفراغ، فإن هذا الظن الساذج سوف يضعنا في مواجهة حقيقية مع المفاجآت الكارثية، فالشباب السعودي أصبح منفتحا على شباب العالم وبات ينعم بحرية أكبر في فضاء الإنترنت.
ويجب أن نعترف بأن المملكة العربية السعودية مستهدفة، وشباب المملكة مستهدفون من الخارج، وليس أمامنا إلا الدخول وسط هذا الشباب لنتعرف على الحراك الشبابي، ونحميه من الفساد، ونقف على المشكلات التي يعانون منها، ونعمل بكل جد على حلها، ونيسر سبل الحياة الكريمة والشريفة أمامهم.
وأما الأعذار التي يرددها البيروقراطيون لم تعد مقبولة، بل يجب على أجهزة الرقابة ومحاربة الفساد أن تمارس أعمالها كما يجب، وتعالج جميع المشكلات التي تعاني منها كل فئات الشعب السعودي.
إن الإعلام الجديد أو ما يسمى بـ"مواقع التواصل الاجتماعي" بات له تأثير إعلامي أقوى وأوسع من الإعلام التقليدي، وهناك شخصيات حكومية بارزة في العالم وفى عالمنا العربي والسعودي وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان تتعامل مع هذه وسائل إعلام التواصل الاجتماعي، بينما هذه الشخصيات لا تتأثر كثيرا بالإعلام التقليدي.
وحتى عام 2009 كانت مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها مواقع "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب" مجرد مواقع لتكوين الصداقات أو التواصل بين الأصدقاء والأقارب، ولكن الآن وسائل إعلام التواصل الاجتماعي وسيلة عصرية لنشر الوعي والثقافة وتحقيق التغيير، وتصحيح الأوضاع وكشف الفساد الذي ضيع على الشباب فرص التنمية والبناء.
ويجب أن نعترف بأنه ليس كل الإعلام إيجابيا، فقد يكون الإعلام سلبيا إذا استخدمه الإعلامي لتحقيق نزواته وأغراضه البعيدة عن مصلحة المواطن والوطن.
إن الإعلام أصبح يستخدم في ـ ممارسته لوظائفه التنويرية ـ وسائل التقنية الحديثة التي لعبت دورا كبيرا في توظيف الإعلام في كل الأنشطة الإنسانية، ويعد الموبايل إحدى وسائل إعلام التواصل الاجتماعي المهمة في عالم اليوم.
ولقد حقق إعلام التواصل الاجتماعي مع الثورة الرقمية واستخدام الحاسوب انتشارا عالميا غير مسبوق، ولذلك فإن الإعلام يستطيع أن يشكل الرأي العام ويقوده نحو القضايا الوطنية الكبرى، بمعنى أن الإعلام هو القوة الناعمة التي تغير وتطور وتبني، وهو المكنة التي تعمل في ورشة التنمية والبناء.
وأخيرا فإن إعلام التواصل الاجتماعي بمنزلة الرئة التي تتنفس منها الدول لكي ترى وجودها الحقيقي في شكله الصحيح والصريح والواضح والجميل.
وعلى الجميع أن يعرف بأن ذراع إعلام التواصل الاجتماعي أصبحت طويلة تطول كل أنواع الفساد، ولم يعد بعيدا عن إعلام التواصل الاجتماعي الوصول إلى الفساد والمفسدين، والوصول إلى التقصير والمقصرين في أي موقع وأي مكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي