رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التبرع بالوقت

تزخر حياتنا – والحمد الله - بالكثير من أوقات الفراغ، ويمضي معظم أعضاء مجتمعنا أوقات الفراغ في الأنشطة الهامشية كالتجمع في الاستراحات، أو في ألعاب التسلية، أو فيما لا فائدة منه، كاللت والعجن في المجالس أو على شبكات الإنترنت والتلفزة والتواصل الاجتماعي. ويمكن لكثيرين وعلى الأخص فيمن يريد كسب الثواب وإفادة المجتمع تخصيص ولو جزءا بسيطا من أوقات الفراغ في أعمال الخير. وتتوافر لدى معظم الناس رغبة في عمل الخير وإسعاد الآخرين، ولكن قد لا تتوافر لدى فئات كثيرة كالشباب والنساء وذوي الدخل المحدود الموارد المالية التي يمكن تقديمها للمحتاجين والجمعيات والمؤسسات الخيرية. ويستطيع كل فرد تقريبا تقديم أعمال الخير بصورة فردية أو مساعدة المؤسسات الخيرية في أداء واجباتها. وهناك عديد من الجهات التي تحتاج إلى الجهود الفردية لتقديم خدماتها، حيث يمكن للأفراد مثلا أن يتبرعوا بأوقاتهم في خدمة ومساعدة وإسعاد العجزة والأيتام والمرضى وجمعياتهم، وتقديم خدمات متنوعة لمن يحتاج إلى المساعدة بوجه عام. كما يمكن للكفاءات وعالي المهارة من الأفراد تقديم خدمات للمحتاجين والمؤسسات الخيرية من خلال التدريب والتعليم، ومعالجة البيانات، والبحث والكتابة، والتصاميم، وتقييم المشاريع، واقتراح الوسائل والمشاريع المناسبة، والاستشارات والخدمات المالية، والترجمة.
ويوجد كثير من الأشخاص المتميزين والمشهورين الذين يستطيعون خدمة المحتاجين من خلال الدفاع عن قضاياهم والمطالبة بحقوقهم، حيث يمكنهم المشاركة وتنظيم الحملات الإعلامية والتوعوية أو توجيه الدعوات إلى الجهات المسؤولة أو مؤسسات المجتمع المدني أو مكاتبة ولفت نظر أو ممارسة الضغوط على الجهات المعنية والمهتمة حول قضايا معينة، كانتشار الأمراض في بقع جغرافية معينة أو عدم توافر مرافق وخدمات عامة أو مدارس أو بعدها عن مناطق معينة أو عدم توافر خدمات صحية في مواقع جغرافية أو أي قضايا أخرى.
ويستهدف المتبرعون بالوقت التنمية البشرية ورفع المعاناة النفسية أو مصاعب الحياة التي يجابهها كثير من البشر. ويستطيع معظم الناس التبرع بالوقت من أجل الخير، فالمعلم في مدرسته الحكومية يستطيع التبرع بوقت إضافي أثناء العمل أو مساء، من أجل إعطاء دروس تقوية للطلبة المتأخرين دراسيا. والعاملون في المستشفيات العامة والخاصة أو العاملون لأنفسهم يستطيعون التبرع بمزيد من الوقت ولعدة أيام في السنة لمعالجة المرضى غير القادرين ماديا، أو حتى تخصيص جزء من وقت الفراغ للذهاب إلى منازل المرضى غير القادرين على الحضور إلى المستشفيات. ويمكن للمتعلمين من الرجال والنساء التبرع لتحسين مهارات الكتابة والقراءة ومحو الأمية الجزئية المنتشرة في المجتمع. وتنتشر الأمية الجزئية في المجتمع حيث يعاني الكثيرون صعوبات واضحة في القراءة والكتابة أو في الرياضيات الأساسية والبسيطة التي يحتاجون إليها في أعمالهم اليومية. كما يستطيع المتخصصون المساعدة في محو أنواع متعددة من الأمية، كالأمية الصحية، والمالية، والرقمية. ويلاحظ في مجتمعنا ندرة الدورات المجانية العامة أو المنح الدراسية للمحتاجين من الشباب والفقراء والأطفال من قبل المؤسسات التعليمية الخاصة والقطاع الخاص بشكل عام، فعلى الرغم من كثرة المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة نادرا ما تجد أي منح تقدم للمتميزين من أطفال وشباب شرائح الدخل المحدود. ويمكن التطوع من أجل حماية البيئة كحملات النظافة أو التشجير أو المراقبة والإبلاغ عن التجاوزات البيئية. كما يمكن تنظيم التطوع لأوقات الكوارث وتأهيل المشاركين ولوازم الإنقاذ قبل وقوع الكوارث. ويمكن للشركات أن تحث موظفيها على التطوع أيضا والسماح لهم ببعض الوقت ولو دون مقابل، كي يتطوعوا في الأعمال الخيرية. وتحسن جهود التطوع التي تبذلها الشركات من صورتها في المجتمع وقد تسهم في زيادة مبيعاتها وأرباحها.
ولا تقتصر الآثار الإيجابية للعمل التطوعي على المستفيدين منه، حيث يعود العمل التطوعي بالفائدة أيضا على مقدميه. وتشير الأبحاث إلى أن العمل التطوعي يزيد لدى مقدميه الشعور باحترام الذات، والراحة النفسية، والرغبة في الإنجاز. وهناك مؤشرات على أن الأعمال التطوعية تساعد في إعداد الشباب وجعلهم أكثر رعاية وتلمسا لاحتياجات الناس، ما يقوي قدراتهم على تحمل المسؤولية كمواطنين وأعضاء أسر. ويحسن طلب الجامعات من منسوبيها وطلبتها التبرع بالوقت نظرة المجتمع تجاه هذه المؤسسات للمجتمع ويرفع من مكانتها فيه. كما يكتسب المتطوعون مهارات التعامل مع الناس، ما يساعدهم على تطوير مهاراتهم والتعرف على نتيجة جهودهم في الحياة العملية قبل دخول مجال الأعمال. وتمزج أعمال التطوع بين المهارة والعاطفة، ما يرفع معدلات اكتساب المهارات وأداء العمل ويعود الأشخاص على التفاني في العمل والمثابرة والإخلاص. وتشير بعض الأبحاث إلى أن التطوع بالعمل ولساعات معتدلة يحسن من نفسية المتطوعين ويساعدهم على التصدي للاكتئاب. ووجدت بعض الدراسات أن التبرع بنحو 100 ساعة عمل في العام يحسن الصحة بوجه عام لمن تجاوز الستين.
ويحتاج التطوع بالوقت إلى مؤسسات حاضنة كي تتم الاستفادة منه وتنسيق العلاقات بين المتبرعين بالوقت والجهات والمؤسسات والأشخاص المحتاجين إلى المساعدة والمجهود. وقبل كل هذا لا بد من إيجاد البيئة القانونية المناسبة والمنمية والمنظمة لأعمال التبرع بالوقت وجعله يتكامل مع جهود الجهات الحكومية والخاصة في مساعدة المحتاجين. وينبغي أن ينظر إلى العمل التطوعي بنية حسنة وعدم السماح باستغلاله لأغراض إجرامية أو مسيئة للبلد. ولدى الأمم المتحدة تجربة رائدة في التبرع بالوقت من خلال الإنترنت كما لديها تجارب رائدة في العمل الخيري بوجه عام، ويمكن الاستفادة من تجارب الأمم المتحدة وطلب المعونة الفنية للمساعدة في تنميته في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي