البحث عن شريك
عشرات الإعلانات التي تبحث عن شريك ممول تخرج كل يوم في مواقع الإعلانات المبوبة والمزادات والأسواق الإلكترونية. تتنوع الإعلانات بين مجالات مختلفة مثل المطاعم والأجهزة الإلكترونية والعطور والمقاولات والأغنام والشاحنات والسيارات. بعضها يثير الشك بتواضع طريقة عرضه، وبعضها مؤيد بالتجربة والتفاصيل المعتبرة التي تنبئ عن الجدية والصدق. على الرغم من الجوانب الإيجابية لهذه الظاهرة ـــ كدخول مزيد من الأفراد في عالم التجارة والأعمال بأشكال متعددة ــــ إلا أنها في نظري من المخرجات السلبية للنمو الهش للمشاريع الصغيرة وريادة الأعمال.
عندما تبحث عن شريك ممول باستخدام القناة الخاطئة فهذا يعني إما أنك لا تعرف القنوات السليمة لمثل هذا الأمر أو أنها غير موجودة. وهي أقرب إلى عدم الوجود أو الضعف، حيث إن معظم البرامج الناجحة الداعمة للمشاريع التجارية تتشابه في طريقة العمل والفئات المستهدفة، ومع الأسف يسعى معظمها خلف مؤشرات نجاحها الذاتي وليس نجاح المستفيد تحديدا، ذلك النجاح المستدام الذي يصنع به الأثر.
هذا ما يحصل مثلا من بعض الجهات التي تعطي المستفيد دورات في بعض الأساسيات ثم تدعم حصوله على تمويل دون نموذج متكامل أو مبرهن يضمن الإيفاء بمتطلبات الدين، يحدث هذا الأمر قبل وصول الإيرادات الحقيقية حينما تكون الأمور كلها على الورق. وبعد تسلُّم النقد، ومع صعوبة التوازن الزمني بين متطلبات التأسيس وتحديات العمالة والتوظيف وربما المنافسة الشديدة من كبار السوق والمحتكرين الذين يحظون بالأفضلية، وتراكم الإيجارات المبالغ فيها أيضا، يتحول المشروع الواعد إلى إعلان على النت بحثا عن شريك، بينما تحتفل الجهة الداعمة في قاعة من ذوات الخمس نجوم بتمويل العشرات من هؤلاء!
وعلى الرغم من أن بعض المشاريع الإبداعية المميزة تجد طريقها إلى حاضنات ومسرعات الأعمال - مع ما عليها من ملاحظات - إلا أن حظ المشاريع التقليدية القابلة للتحسين والتطوير الإبداعي أقل بكثير، فلن تجد الداعم الذكي الذي يفكفك تحدياتها مع المستفيد في حين تعتصرها المنافسة الشديدة جدا في الشوارع. هذا يحدث اليوم مع أن حاجاتنا إلى تعزيز التوجه للمشاريع التقليدية الأساسية لا تنقص عن الحاجة إلى ترويج المشاريع الإبداعية المبتكرة.
يتبادر إلى الذهن السؤال الذي يقول كيف يتورط مثل هؤلاء؟ هل البرامج التوعوية المتاحة لا تكفي والجهل لا يزال مستشريا بين الطامحين لخوض غمار التجارة؟ الإجابة على الأرجح نعم. هل المتطلبات التنظيمية ـــ كالرخص والعمالة ــــ تعوق التنفيذ المتواصل وبالتالي تستنزف فترة التأسيس السيولة المتاحة وتجعل الوصول إلى نقطة التعادل أقرب إلى المستحيل؟ أيضا قد تكون الإجابة نعم هنا. أم أن المنافسة شديدة إلى درجة أنك تجد في الشارع نفسه الشركة الضخمة التي قد تستمر لسنوات في تشغيل فرع فاشل والوافد المتستر عليه الذي يعمل من الصباح حتى الواحدة مساء بلا توقف؟ أيضا قد تكون الإجابة في بعض الحالات: نعم!
لا تخص المشكلة الأفراد فقط ولا الجهات فقط "الجهات الداعمة والجهات المنظمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة"، هي بالتأكيد مشكلة عامة متنوعة الأسباب عديدة السمات. إن المحور الأهم في نظري هو أننا نتجاوز اليوم أكثر من عشر سنوات من بداية الاهتمام المنظم بالمشاريع الصغيرة وريادة الأعمال والنتائج السلبية التي يدفع ثمنها البعض لا تزال مؤثرة، ومع هذا كله، لا تزال هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة غائبة.
نقاط الضعف عديدة يعرفها الجميع وقد كتب عنها عديد من الكتاب في صحفنا المحلية وناقشتها ورش العمل والأوراق العلمية، وعلى الرغم من أن شكل وجوهر الهيئة المنتظرة يحددان قوة تأثيرها في الواقع، إلا أن رؤيتها تعمل ونقدها مباشرة أفضل من التكهن بأدوارها وتأثيرها وهي لم تحضر في المشهد بعد، وهذا ما ينتظره الجميع بفارغ الصبر.