رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعادة: مكتبة أمير حائل .. ومكتبتك

رمضانيات ــ 10
أبو جرير الطبري من العمالقة، الذين وهبوا حياتهم للعلم القرآني، في تفسير كتاب الله العظيم. ولقد ترك لنا تفسيره المسمى "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، ونعرفه الآن جميعا باسمه الشهير "تفسير الطبري".
ومعلومة بالمناسبة أن الطبري من علماء القرن الثالث الهجري، وهو من بلاد وسط آسيوية تقع شمال إيران، اسمها طبرستان، و"طبر" اسم آلة حرب تخصصت بصنعها تلك البلاد.
عاش الطبري في أزهى عصور الإسلام تقدما وإنتاجا على كل المستويات الأدبية والفكرية والعلمية. وكان من صغره طفلا عبقريا حافظا حديدي الدماغ قوي الجنان تولع بالعلم الشرعي، خصوصا بعلوم القرآن، وكان طموحه أن يبلغ المدارج العليا بالعلم القرآني، إلا أن بلاده بعيدة عن حواضر العلم ومصادره ومراجعه فكان لا بد له من السفر إليها بعد أن درس وتفوق على علماء منطقته. وكنت أرغب جدا بذكر شيء عن أبيه البديع جرير الذي سهل لابنه كل سبل العلم لما لمس في ابنه نبوغا غير معهود.. ولكنه ليس المقام المناسب.
ترحل صاحبنا الشاب محمد الطبري وساح في البلاد حتى استقر في بغداد، حيث زادت بضاعته العلمية وفاضت فعكف على التدريس والتأليف حتى آخر يوم من حياته التي بلغت 82 عاما.
لا نعلم لماذا، فالطبري قضى حياته بلا زواج، ووهب حياته للعلم وتخفف من كل مظاهر الحياة الخلابة وعاش متقشفا، ما يجعلني أظن أنه أشفق على أن يحمِّل زوجةً ذلك الرهق.
وكتبه كتبت بأسلوب ممتع وواضح ويمكن لأي قارئ متمرس عصري فهمها وهضمها، أذكر كتابين "تاريخ الأمم والملوك"، و"تفسير الطبري" الذي يقع في 30 جزءا. وانظر أن مؤلفا واحدا مكونا من 30 كتابا ضخما، بينما يفرح من هم مثلي الآن بـ20 صفحة وينشرها ويوقع فيها حتى بمعرض الواق الواق ككتاب يشغل به الدنيا!
هذا الكتاب الذي أخذ بزمانه وبعد زمانه شهرة واسعة حتى قال عنه أبو حامد الاسفراييني: "لو سافر رجل للصين ليحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا".. ضاع!
ونامت نسخه في بعض المكتبات الخاصة، ومرت قرون لم يعد يعرفه فيها أحد، إلا ورقات مبعثرة تشير إليه وتزيد تلهف العلماء له.
وفي كتاب للباحث المستشرق نولدكه Noeldeke يكتب في القرن الـ 19 بعد أن أطلع على نماذج من هذا التفسير قال: "لو حصلنا على تفسير الطبري لاستغنينا عن كل كتب التفسير المتأخرة".
وأراد الله لهذا السفر العظيم أن يُبعث من جديد فها هو مستشرق آخر وهو "جولد تسيهر" يقول: "وأخيرا وجدت نسخة خطية كاملة وواضحة.. في مكتبة أمير حائل".
وكان ذلك في أوائل القرن الـ20 بعد أن ضاع دهورا في أنفاق القرون.
من السعادة أن تملك مكتبة.. حتى ولو لم تكن كمكتبة أمير حائل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي