بيانات الأعمال الخيرية الأمريكية
تم الحديث في المقالة السابقة عن أهمية تطوير بيانات الأعمال الخيرية في المملكة. ويمكن للمملكة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في جمع ونشر بيانات الأعمال الخيرية. وتوفر العديد من الدول بيانات جيدة عن أعمال الإحسان أو الأعمال الخيرية، من خلال بعض المؤسسات المتخصصة في جمع وتبويب بيانات الأعمال الخيرية. وتأتي الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول في حجم الأعمال الخيرية، وفي تفاصيل البيانات المتوافرة عنها. وتوافر مؤسسات متخصصة مثل مركز بيانات الأعمال الخيرية الأمريكي بيانات جيدة عن الأعمال الخيرية. وتساعد أنظمة الضرائب المعمول بها والإعفاءات المصاحبة للإنفاق الخيري وشفافية وتبويب بياناتها على توفير قدر كبير من هذه المعلومات. وتشير بيانات الأعمال الخيرية الأمريكية إلى أن التبرعات الفردية تشكل معظم التبرعات للأعمال الخيرية حيث وصلت مساهمتها إلى نحو ثلاثة أرباع إجمالي التبرعات الخيرية. ووصل إجمالي التبرعات الخيرية الفردية في الولايات المتحدة إلى نحو 258.5 مليار دولار في عام 2014، بينما جاء باقي التبرعات من المؤسسات الخيرية ووصايا الإرث والشركات. وأظهر حجم التبرعات أن نسبة التبرعات من الدخل الفردي اتخذت منحنى على شكل حرف يو، وهي ما يعني أن أصحاب الدخول المنخفضة نسبيا والمرتفعة يعطون نسبا أعلى من دخولهم.
وتظهر بيانات التبرعات في الولايات المتحدة اتجاهها للارتفاع مع الزمن، وتضاعفها بأكثر من عشر مرات خلال الأربعين عاما الماضية. وتشكل التبرعات للمؤسسات والأغراض الدينية جزءا كبيرا من التبرعات الشخصية. كما تظهر البيانات أن هناك اتجاهات موسمية في عمليات التبرعات وكأن المشاعر الإنسانية تتحرك أكثر في مواسم معينة مرتبطة عادة بالتدين والتقاليد، وذلك بالنسبة لعدد كبير من الناس قد يتجاوز نصف المتبرعين. ولهذا تتلقى نسبة كبيرة من المؤسسات الخيرية معظم حصيلتها من التبرعات خلال المواسم. وتوضح البيانات وجود تباينات بين المناطق الجغرافية في مستويات التبرعات، فهناك مناطق تعطي أكثر من مناطق أخرى. كما يبدو أن هناك تأثيرا ملحوظا لمستويات الدخل، فالمناطق الجغرافية الأعلى دخلا يتبرع سكانها بمبالغ أعلى، ولكن قد تقل نسب التبرعات من الدخل. وتصل قيمة التبرعات إلى أكثر بقليل من 2 في المائة من متوسط دخول الأفراد. وبلغ إجمالي تبرعات الأفراد والوصايا والشركات والمؤسسات الأمريكية الخاصة لأعمال الخير نحو 358 مليار دولار في عام 2014، وهو ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي لكثير من بلدان العالم. وتشير البيانات المتوافرة إلى أن متوسط تبرع الأسرة في الولايات المتحدة لأعمال الخير وصل إلى 2974 دولارا (11152 ريالا)، في عام 2014 وكانت هناك زيادة سنوية كبيرة في إجمالي التبرعات فاقت 7 في المائة بسبب تحسن الظروف الاقتصادية. وتشير البيانات التاريخية للتبرعات إلى أنها تتأثر بالوضع الاقتصادي مرتفعة مع الانتعاش الاقتصادي ومتراجعة مع الانكماش الاقتصادي. وتنتشر ظاهرة التبرع للأعمال الخيرية بشكل واسع في المجتمع، حيث بلغت نسبة الأسر المتبرعة نحو 95 في المائة من إجمالي الأسر.
وذهب نحو ثلث التبرعات الأمريكية الخاصة للأغراض الدينية، بينما حظيت المؤسسات التعليمية بنحو 27 في المائة من التبرعات، وتم تخصيص 12 في المائة للأغراض الإنسانية، ونحو 8 في المائة للأغراض الصحية. ووصل حجم التبرعات إلى نحو 2.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وارتفعت التبرعات للأعمال الخيرية تاريخيا بنحو ثلث ارتفاع البورصة. ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من 1.5 مليون مؤسسة خيرية. وبلغت إيرادات المؤسسات الخيرية نحو 1.65 تريليون دولار في عام 2012. وجاوز إجمالي أصول المؤسسات الخيرية ثلاثة تريليونات دولار. كما أنفقت المؤسسات الخيرية 1.58 تريليون دولار. ويتبرع الكثير من الأمريكيين بالوقت، وتقدر قيمة العمل في الأوقات المتبرع بها بنحو 175 مليار دولار. ويرتفع إنفاق الأفراد والمؤسسات الخاصة على الأعمال الخيرية في الولايات المتحدة بينما ينخفض في الدول الأوروبية. وتتلقى المؤسسات الدينية دعما من الحكومات في أوروبا بينما يترك أمر الصرف على المؤسسات الدينية (أماكن العبادة بالتحديد) للأفراد والقطاع الخاص في أمريكا. ولا ينفق كثير من الدول على المؤسسات الدينية بسبب سياسات معينة ولكنها تمنح مواطنيها إعفاءات ضريبية مقابل تبرعاتهم الخيرية. ويسهل وجود نظام ضريبي شامل ومتطلبات الحسابات النظامية للأعمال من جمع وتبويب بيانات الأعمال الخيرية في الولايات المتحدة والدول المتقدمة. ولكن ينبغي ألا يثبط عدم شمولية النظام الضريبي في المملكة ونقص البيانات المتوافرة عن أنشطة الأعمال والأفراد جهود توفير بيانات الأعمال الخيرية. ويستطيع متخصصو البيانات التغلب على مصاعب جمع وتبويب وتحليل بيانات الأعمال الخيرة، ولكن ينبغي أن تبادر بعض المؤسسات الخيرية الخاصة أو الجهات الحكومية ذات العلاقة في تبني مشاريع جمع هذه البيانات ونشرها.