رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل الجهاد شعيرة سارية؟

في سياق الحديث، قال الشيخ سلمان العودة في مقابلة برنامج "في الصميم" مع عبدالله المديفر: «إذا كان المقصود ألا نؤمن بالجهاد فهذه كارثة». لطالما استفزتني فكرة الجهاد بمعناه القتالي في هذا الوقت من الزمن، ومحاولة قراءة الفروق بينه وبين الجهاد في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم- أو حتى ما تلاه من عصر الفتوحات. لست منظرة فقهية لكنني أناقش قضية لها أبعاد فكرية مدنية لها علاقة بمقومات العصر الحالي. هذا بالطبع إضافة لبعدها الديني الفقهي الذي يحتاج إلى مراجعات جادة. حين نزل القرآن كان هناك رسول وأمَّة في مرحلة التأسيس. لم تكن هناك دولة بمفهوم الدولة. الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان القائد وبمنزلة رئيس الدولة المؤسس. اليوم اختلف الأمر، هناك دول وحكام وجيوش ودساتير وقوانين دولية. فهل تبقى شعيرة الجهاد في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم- هي نفسها شعيرة الجهاد في عصرنا الحالي بالنظر إلى كل المتغيرات؟ أعتقد أن ذلك سؤال مشروع للنقاش.
أتى الجهاد في آيات كثيرة في القرآن والأحاديث الشريفة وبمعان عدة مختلفة غير القتال حيث يبرز الجهاد المتنوع المعنى مثل: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ". أما آيات القتال فمنها: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ .."، و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ..". وغيرها من الآيات والأحاديث المرتبطة بمرحلة دين جديد وهو الإسلام، وبزمن معين هو زمن التأسيس، وبحقبة زمنية مختلفة لها ظروفها التي يدل عليها سياق الآيات. زمن لم تتم في حينه أي معاهدات ومواثيق دولية، حيث يتحول الآن مفهوم الجهاد إلى مفهوم مختلف تحت نظام وزارات الدفاع في الحكومات.
خرجت بالطبع فتاوى عدة تحصر الجهاد بإذن ولي الأمر والوالدين أيضا. فماذا إذا أذن الوالدان؟. إن ذلك ليس واضحا بعد لا في لغة ولا ذهنية المتطرفين ومؤججيهم على وسائل التواصل، كأن يقول فيها أحد الشيوخ السعوديين المعروفين وقبل أشهر فقط "نصرة أهل العراق لا تقل وجوبا عن نصرة أهل الشام، فالعدو واحد وإن اختلفت أرضه"، هذا كمثال وهناك كثير. وبطبيعة الحال فالمنضمون لـ "داعش" يحملون الأفكار والقناعات الدينية نفسها. وقد تداخل معنا قبل أيام أحد أفراد "داعش" السعوديين على "تويتر"، سمى نفسه بالإنجليزية "قناص قحطان"، قال: "عندما يقتنع الشاب المخلص لعقيدته بأن الله خالقه يأمره بقتل أعداء الإسلام وتطبيق شريعته لا يتردد في تسجيل اسمه ضمن الاستشهاديين، ويبكي فرحا إذا جاء دوره في التنفيذ... المهاجرون لا يوجد لهم دافع أقوى من الدافع العقدي، ارتباطها بالعقيدة الدينية يجعل منها قوة ضاربة" قال ذلك مشبها البغدادي بالرسول - صلى الله عليه وسلم- ودولته بدولة الإسلام حديثة التأسيس.
وحيث إن المفاهيم حول الكفار والمنافقين ربما تختلف من عصر لآخر، فإن الجهاد المغلوط هو فعل "إرهابي". نحن لا نستطيع أن نجاهد كفارا الآن لا يحاربوننا. والحروب مهمة الحكومات. المشكلة الفادحة أن يتمدد معنى الكافر والمشرك لينسحب على المسلمين أنفسهم. ويتمدد معنى الجهاد إلى إجرام، وتفجير، وانتحارات. لذا فالسؤال مرة أخرى: كيف نعيد قراءة شعيرة وأحكام وضوابط الجهاد مع كل هذه المتغيرات بدراسات فقهية جديدة؟. وكيف نتعامل مع فكرة الجهاد في ظل الحروب الإقليمية؟. الأمر يحتاج إلى قراءات جذرية فقهيا وفكريا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي