رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نظام الوحدة الوطنية.. مشروع قابل للصياغة!

استمر المجتمع السعودي بعيدا عن منصات بعض العناوين الحساسة والمهمة لعقود طويلة دون مبرر موضوعي، ومن المصطلحات التي كان الضوء الأحمر يتوهج حولها موضوع وضع نظام لصيانة الوحدة الوطنية، أو وضع دستور للبلاد يعالج خارطة المجتمع ويعبر عن الهوية التي يتحلى ويتجلى بها الشعب السعودي.واليوم فتح مجلس الشورى المحترم الباب لمناقشة وضع نظام لصيانة الوحدة الوطنية، وهو موضوع من أهم الموضوعات التي يجب أن يقترب منها المجلس ويناقشها حتى ينهيها وينجزها، وإذا لم ينجز المجلس أي مشروع من مشاريع المجتمع فيكفيه فخرا أنه أنجز هذا المشروع.
ونعترف بأن نظام الوحدة الوطنية يفتح الكثير من الملفات الساخنة، وبداية يجب أن نعترف بأن المجتمع السعودي مثله مثل أي مجتمع آخر فيه شرائح طائفية، ونزاعات قبلية، وخلافات مناطقية.
هذه المتناقضات في حاجة إلى وعاء تنصهر فيه بكل تناقضاتها، وتتم بينها عمليات تسوية ودية براغماتية متبادلة، بحيث تكون كل النزاعات والتنافرات مقبولة من كل الملل والنحل، وينخرط الجميع في تعلية الوطن على كل ما عداه من هويات ونزاعات. أي أن نظام صيانة الوحدة الوطنية الذي نأمل أن يخرج إلى النور من قبل مجلس الشورى سوف يعلي وحدة الوطن على كل ما عداه من توجهات واتجاهات.
ولذلك فإن التأخير في إنجاز مشروع نظام الوحدة الوطنية سوف يفتح كل الاحتمالات للنزاعات والخلافات والاختلافات.
بداية يجب الاعتراف بأن المجتمع السعودي ــ كما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ مجتمع متنوع يتكون من سني وشيعي، ومن سنيين وشيعيين، فليس السنة كلهم على مذهب واحد، وليس الشيعة كلهم على مذهب واحد، ولكن الجميع كله ــ إن شاء الله ــ على قلب رجل واحد.
كما أن النزعة القبلية ــ في غياب نظام لصيانة الوحدة الوطنية ــ بدأت تبحث لها عن مكان بارز في جملة الأحداث التي يشهدها الإعلام، وبالذات إعلام التواصل الاجتماعي الذي أخذ يزكي ــ بأسلوب غاشم ــ النعرات العرقية والقبلية.
ولن يحمي مجتمعنا من خطورات هذه النعرات والخلافات إلا وجود نظام براغماتي متوازن يحتمي به الجميع، ويحمي حقوق الجميع، ويحافظ على كيان الدولة من نزق المتطرفين والمتعصبين والاستحواذيين.
وأزعم أن أي مواطن في مملكة الإنسانية المملكة العربية السعودية حريص على الوحدة الوطنية، وحريص على الدفاع عنها بالغالي والنفيس.
إن الوطنية هي الرابطة المقدسة التي تربط أبناء الوطن برباط الولاء للوطن أولا وثانيا وثالثا وأخيرا.
إننا في أمس الحاجة إلى تأسيس ثقافة وطنية تقوم على أساس تأسيس ما لم يؤسس لوطن احتضنا، وآوانا، وآخانا، وحمانا، وكتب مستقبلنا بأحرف من نور وعمار.
لقد أثبتت بعض المواقف الوطنية وبالذات منذ اندلاع عاصفة الحزم أننا في أمس الحاجة إلى ثقافة لوحدتنا الوطنية، وكان المفروض أن نعطي للمثقفين والمفكرين فرصة تعاطي قضايا الوحدة الوطنية من أجل بناء ثقافة وطنية يتغلغل فيها الشعب السعودي من أقصاه إلى أدناه، ومن أدناه إلى أقصاه، ثقافة تعبر عن الوحدة الوطنية بكل مكوناتها المذهبية والقبلية والعرقية دون إقصاء أو تجريم أو حتى تحريم.
ويجب أن نعترف أن هناك لغطا بين الهوية الوطنية والهوية الدينية، وهناك من يفصل الهوية القبلية عن الهوية الدينية، ومن يقدم الهوية القبلية على أي هوية أخرى.
وهذا الطرح ينافح عنه البعض ويشكل قضية إشكالية يستلزم طرحها ومناقشتها وتقريب البعدين حتى لا يكون هناك تضارب بين الهوية الدينية والهوية القبلية أو الوطنية.
ويذكرنا هذا الإخلال بما كان سائدا في الستينيات والسبعينيات بين أنصار الإسلام في مواجهة أنصار العروبة، وهم الذين وظفوا الإسلام ضد العروبة مع أن الإسلام بزغ نوره من بلاد العروبة، وقرآنه الكريم نزل بالعربية، ورسوله عربيا يفخر بعروبته، ولا مكان للتناقض والتعارض بين الإسلام والعروبة بأي حال من الأحوال، ولكن مع الأسف بعض المفكرين في إيران وفي الهند روجوا للتضاد من وجهة نظر سياسية بحتة، وفي مقدمتهم المفكر الإسلامي المعروف أبو الأعلى المودودي الذي فسر وعرف العروبة وكذلك الإسلام من وجهة نظر سياسية وليست دينية، فوضع الدين الإسلامي في كفة ووضع العروبة العرقية في الكفة المعارضة، وكتب معارضة مفتعلة بينهما كأنما الإسلام جاء ليضرب العروبة، ولكن في الواقع فإن الإسلام لم يأت لكي يحارب العروبة ويلفظها من واقعها السياسي والثقافي، بل جاء ليحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
ومع الأسف ظللنا لفترة طويلة نعيش هذا النزاع حتى ضاع من أيدينا ديننا وضاعت عروبتنا، ولأن الحق يعلو ولا يعلَى عليه فقد عادت عروبتنا في هذه الأيام وتشكل التحالف العربي من أجل أن يحق الحق ويزهق الباطل في اليمن، وإن شاء الله في سورية والعراق ضد الإرهابيين الخارجين على ديننا الإسلامي الحنيف.
ولذلك ونحن نتناول قضية الوحدة الوطنية يجب أن نضع ديننا الإسلامي الحنيف في مكانه الصحيح، ونضع الوطنية في موقعها الصحيح أيضا.
والواقع أن بلوغ المجتمع السعودي الحدود الأولى لمجتمع المعرفة سوف يساعد كثيرا على المواءمة بين الوطنية والدين، وسوف تكون الوطنية في خدمة الدين، كما يكون الدين في خدمة الوطنية، والوطن للجميع وحبه من الإيمان.
إن مجتمع المعرفة هو المجتمع الذي يقبل الآخر، ويؤمن بالتعددية، ويتعامل بالمساواة والعدل بين جميع الشرائح والنحل من أبناء الشعب السعودي الواحد الذي يقف ــ في هذه الأيام ــ صفا واحدا تحت راية التوحيد راية لا إله الا الله محمد رسول الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي