الإرهاب الديني والتدين بنزاهة وبينهما غامض
ينبغي أن نسلم بدءا أن الإرهاب لا دين له ولا جنسية.
لذلك يعاني العالم من حمى الإرهاب من قبل بعض أتباع الأديان دون استثناء، الإسلام والمسيحية واليهودية على مختلف المذاهب التابعة لهذه الأديان السماوية، لا يستثنى من ذلك الأديان غير السماوية. والعنف الديني يمكن أن يكون طائفيا أي من قبل طائفة ضد طائفة من أتباع الدين نفسه، ويمكن أن يكون موجها من دين ضد دين آخر. فإلى جانب التشدد والفهم الخاطئ للدين واستغلال الجماعات من قبل قوى دولية لتنفيذ سياساتها وكذلك إخفاق منظمة الأمم المتحدة، لا بد من الاعتراف بأن غياب العدالة الدولية في التعامل مع بعض القضايا السياسية أسهم في زيادة العداء بين أتباع بعض الأديان على المستوى العالمي، وتأتي في مقدمتها قضية فلسطين، وقضية أفغانستان، وما ارتبط بهما من "إرهاب دول" في العراق وفلسطين.
الإرهاب لا يمكن أن يتهم به دين بعينه، بل يحدث من قبل أتباع الأديان كلها، فبدءا بالأديان غير السماوية، يلاحظ العنف والوحشية والإرهاب المتكرر الذي يواجهه المسلمون في (بورما) على أيدي جماعات بوذية متطرفة، دون تحرك الضمير العالمي الإسلامي أو المسيحي أو البوذي!
العنف لدى بعض أتباع المسيحية كثير ويصعب حصره، ويكفي الإشارة إلى قتل 9 من الأبرياء في كنيسة بكارولينا الجنوبية قبل عدة أيام، وقبله إحراق عديد من المعابد والمساجد في أماكن متعددة، وقبل ذلك ظهور عديد من المنظمات الإرهابية العنصرية. وبالنسبة لأتباع الديانة اليهودية، فقد قام المتطرفون والجماعات الإرهابية اليهودية بقتل الفلسطينيين وترويعهم وتشريدهم وتفجير مساكنهم ومساجدهم. أما بالنسبة للجماعات الإسلامية، فقد تسبب الفهم الخاطئ للدين الإسلامي في إزهاق أرواح الأبرياء على امتداد العالم الإسلامي. هناك جماعات لا تتفق في ممارساتها مع تعاليم الدين وعلى رأسها "داعش" و"بوكو حرام" والقاعدة وغيرها.
لقد بلغ السيل الزبى! وأصبح الإرهاب يهدد العالم بأكمله! يعاني الأبرياء من خطر الوفاة في أي وقت، حتى وهم يؤدون صلاة الجمعة، ويقعون ضحية للخوف من الإرهاب في كل مكان، ويتحملون عناء التشدد في الإجراءات الأمنية في الشوارع والمباني الحكومية والمطارات، وهذه الإجراءات الأمنية ليست مجانية، بل تضيف تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة.
ومع السعي والحث على الالتزام بالنزاهة في أعمالنا الدنيوية المهنية عند ممارسة التجارة والتعليم والطب والقانون وغيرها، فمن باب أولى الحث على النزاهة في الأعمال الدينية والعبادات. ومن هذا المنطلق، تبرز التساؤلات التالية، لماذا الفهم الخاطئ للأديان المؤدي للإرهاب؟ وما مصدر هذا اللبس في التعليمات الدينية أو الفكر المتطرف؟ ومن المسؤول عن هذا الفكر المتشدد التكفيري؟ وهل جميع المؤسسات الدينية في جميع الدول تحث على التدين بنزاهة وممارسة تعاليم الأديان باعتدال وإنسانية؟ أم أن الأمر متروك لكل من أراد أن يفتي ويكفر، ويحلل دماء الآخرين. ومع الأسف لا توجد إجابات مقنعة عن معظم هذه التساؤلات، بل آراء متضاربة ومتعارضة تعكس الاختلاف في الاتجاهات السياسية والدينية والمذهبية، مع تقصير واضح من قبل المنظمات الدينية العالمية القائمة في تعزيز مبادئ الحوار الديني والتعايش بسلام.
وختاما لتخفيف حدة التطرف والتشدد الديني والعداء بين الأديان والطوائف الدينية، ينبغي النظر في ثلاثة أمور مهمة. الأول أن تتحمل المنظمات الدينية واجبها في تعزيز الحوار بين الأديان وبين المذاهب الدينية. والثاني أن تقوم الأمم المتحدة بواجباتها تجاه السلم العالمي من خلال العمل على استقلالها من هيمنة الدول العظمى. والثالث تأسيس منظمة أو جمعية عالمية "للحوار والنزاهة الدينية" من أجل حماية السلم العالمي وحقن دماء الأبرياء. ولنجاح المنظمة المقترحة لا بد أن يقوم علماء الدين والمفكرون من جميع الأديان والجنسيات بواجبهم في المشاركة في صياغة أهدافها ونظام عملها وتحديد مصادر تمويلها المستقلة.