رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أكبر «سلفي» في التاريخ

الضجة التي أثارتها حلقات معدودة من مسلسل "سَلْفِي" الفنان ناصر القصبي، تؤكد شيئين اثنين: الأول بلا شك قدرة الفن على إحداث تأثير أقوى مقابل خطاب إعلامي تقليدي. أما الشيء الآخر فقد أثبت -بألم- حاجتنا إلى إشباع الفقر الفني بدراما وكوميديا حقيقية ناقدة. وتأثير النقد الدرامي والكوميدي أقوى من كثير من خطابات الإعلام التقليدية المحاربة للتطرف، كما لأشكال العفن الاجتماعي التي طرحتها حلقات المسلسل التالية مثل التعصب الرياضي والطائفية وغيرها. الفن والثقافة هما أساس لحياة أي مجتمع، وبدون ذلك فالمجتمع في حالة موات. الفن رسالة كما هو الإعلام والثقافة في مسؤولية التنوير. والفن المثقف هو الأكثر قدرة على التأثير والإقناع بالتغيير وضرورة التغيير. لذا فقد كنا نحتاج إلى صور "سَلْفِي" من كاميرات بقدرة عشرات الميجا بكسل لنرى وجوهنا جيدا. كما نحتاج دائما إلى رسم كاريكاتيري بحجم المجتمع يركز على عيوبنا بسخرية لاذعة تقرصنا وتوقظنا من سباتنا.
الدراما/ الكوميديا كأداة نقد تظل واحدة من الأدوات. لكن التغيير الحقيقي المتكامل يأتي من منظومة الخطاب المتكاملة، هي المؤسسة للقاعدة الفكرية نفسها. فالدراما أو السخرية وحدهما قد لا تحدثان أثرا "تاما" في التغيير، فقد تكون هناك ردة فعل تزيد من غليان المتطرفين، على اعتقاد أن الأمر يحتاج إلى مواجهة مضادة شرسة. ولا سيما أن الفن في نظر المتطرفين هو ضد القداسة الدينية. وهذا ما يوضحه الأثر الآن ولاحقا. ردود الفعل الصاخبة بطبيعة الحال جاءت من طرفين نقيضين، أحدهما احتفاء وتصفيق من المناهضين للتطرف أو من يرغبون الحياة في مجتمع صحي. أما الثاني فغضب ساحق من المتطرفين أنفسهم، المصفقين للتطرف ظاهريا أو سريا، وذلك بأن النقد يوجه سهامه إلى الدين وأهله. وهي ثمة مفارقة عجيبة وساخرة أيضا. محاربة الفن تعني الصورة المنمطة للفن في ذهنية المتطرف كوسيلة للإفساد وهي أيضا في ذهنيته فكرة سحب البساط من أسفل المتطرف وشعبيته المفترضة إلى الطرف المنافس الحي. لذا فتجري المحاولة للخلط بين الدين وأهل الدين.
قضيتنا اليوم لا تنحصر في "الدواعش" الصريحين، بل يشمل ذلك وبالأهمية ذاتها "الدواعش" المستترين بيننا ممن تعج رؤوسهم بالأفكار المنحرفة. لذا من الأهمية بمكان العمل على المشاريع المتخفية وغير المعلنة صراحة أو تلك التي تمارس التقية الفكرية. الخطابات السياسية والإعلامية والثقافية والفنية جميعها يجب أن تعمل معا بتناغم وانسجام تامين. ينبغي للنخبة الحقيقية ألا تغيب عن دورها دائما، ولا سيما في هذه المرحلة التاريخية المهمة. وهو الدور الذي يضاهي فكرة الجهاد المزعوم بجهاد تنويري حقيقي. ما فعله وما تفعله نخب تنويرية في المجتمع يستحق الاحتفاء. وهنا من المناسب ذكر الكاتب الزميل خلف الحربي المشرف العام على مسلسل "سَلْفِي" وكاتب بعض الحلقات. غياب دور المثقف التنويري، وتراجع دور الثقافة الحقيقي هو بطبيعة الحال إفساح المجال لشجر التطرف والظلامية والفساد والعفونة والأخطاء الاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي