الأطفال المنسيون .. والخطر الأكبر

في اليوم العالمي للاجئين 20 تموز (يوليو)، تركز اهتمام العالم على محنة المهجرين البالغ عددهم 60 مليونا، الذين تتزايد أعدادهم. وعلى حد تعبير الشاعرة البريطانية الصومالية الأصل ورسان شاير "لا أحد يترك وطنه، إلا إذا كان الوطن فم قرش". ولكنّ ملايين آخرين يعجزون عن الهرب، إما لافتقارهم إلى الوسيلة، أو خوفا من أسماك قرش أكبر في الغربة. وفي الوقت نفسه يعصف العنف بأوطانهم ويعاد تشكيلها من خلال أيدولوجيات مقيدة. وقد لا يكونون مشردين جغرافيا لكنهم ضحايا أيضا. لا سيما حينما يكونون أطفالا تعرَّضت مدارسهم وعمليات تنشئتهم الاجتماعية لتحولات جذرية لتتوافق مع النظام الجديد.
وتأكيدا للمخاطر التي يواجهها الأطفال، وزعت الأمم المتحدة يوم الإثنين الثامن من أيار (مايو) نسخة مسبقة من تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة 2015 عن الأطفال والصراعات المسلحة على أعضاء مجلس الأمن الدولي. ولاقى التقرير تغطية واسعة لأسباب منها أنه تضمَّن "أول قائمة لأطفال العار". واشتملت القائمة على أسماء الجيوش والجماعات التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاع. ويذكر التقرير الذي يصدر سنويا منذ عام 2005، أن عام 2014 شهد مستويات لم يسبق لها مثيل من العنف في حق الأطفال. وتشمل قائمة العار قرابة 57 جيشا وجماعة مسلحة من 11 بلدا.
وتضم المرتكبين الدائمين، أي الذين يصنفون في هذه الفئة لمدة خمسة أعوام على الأقل.
والعراق وسورية واليمن من البلدان المدرجة في قائمة العار. ويبرز تقرير هذا العام الاتجاه المتزايد لحوادث الخطف الواسعة، وهي سمة من سمات "داعش". وشدد التقرير أيضا على الاستهداف المتعمد للمدارس من جانب مختلف الجماعات بسبب مناهجها الدراسية العلمانية، وتعليم الفتيات، وأسباب عقدية أخرى، وأيضا لأنها أهداف سهلة وذات آثار عاطفية كبيرة. وتعمد الجماعات المتطرفة في كثير من الأحيان إلى تغيير المناهج الدراسية لتناسب معتقداتها، أو تغلِق المدارس تماما. ويستخدم الكثير من الجماعات العنف وسيلة لتلقين الأطفال أفكارا معينة، وهي ممارسة لا تقتصر على "داعش". وتقوم كل الأطراف في العراق وسورية واليمن "بتجنيد" الأطفال، ولذا، يؤكِّد تقرير الأمم المتحدة، وآخرون بشدة على ضرورة إيجاد برامج شاملة لإعادة دمج الأطفال الذين تعرضوا لعنف مزمن أو كانوا شاهدا عليه.
بيد أن "داعش" يتصدر في هذا الأمر، ويقول علماء نفس عراقيون إنهم لم يشهدوا صدمة نفسية أشد فظاعة ما أحدثه "داعش". وهم يبرزون أيضا بسبب عزمهم على الاستيلاء على أراض والسيطرة عليها ثم العمل على تلقين هؤلاء السكان مفاهيمهم وآراءهم.
لقد أقام "داعش" معسكرات في سورية والآن في العراق حيث تقوم بتدريب الأطفال تدريبا عسكريا وعقديا. ويستهدف التنظيم من يسمون "الأشبال" من خلال مراكز التجنيد التي تتركز على الذين تبلغ أعمارهم 14-15 عاما، ولكنهم يستهدفون أيضا أطفالا صغارا حتى سن العاشرة. ويتعرض البعض للخطف ويتطوع آخرون وقلة منهم يقدمهم آباؤهم إلى التنظيم. وتقام فصول دراسية من 40 إلى 60 طفلا يجري فيها التدريب على مدى شهر بدروس دينية وتربية بدنية وتدريبات عسكرية. ولا يتم إرسالهم على الفور للقتال، لكن يبقيهم التنظيم قريبا من المقاتلين ومن جبهة القتال.
ويمتد الأثر على الأطفال إلى ما وراء المعسكرات. وتشير التقديرات إلى أن من ستة إلى ثمانية ملايين شخص يعيشون في مناطق يسيطر عليها "داعش" وأن ثلث هؤلاء تقريبا أطفال. ويعني هذا أن نحو مليوني طفل دون الثامنة عشرة من المحتمل الآن أن ينقطعوا عن التعليم النظامي وأجواء التنشئة الاجتماعية، وأنهم باتوا موردا جاهزا من المجندين من المرجح أن تزداد أهميته مع إحكام "داعش" قبضته. لاحِظ أن مدينة الرقة العاصمة الفعلية لـ"داعش" سقطت منذ أكثر من عامين في آذار (مارس) 2013، وأن الموصل التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة تحت سيطرة التنظيم منذ أكثر من عام. وهاتان هما أكبر منطقتين حضريتين يسيطر عليهما "داعش".
وينشأ الأطفال الذين يعيشون في أراض يسيطر عليها التنظيم في بيئة تتفشى فيها مشاهد العنف من الإعدامات الوحشية إلى تنفيذ عقوبات الجلد والضرب المبرح، ويفرض الفصل الصارم بين الجنسين، ويطبق خطاب الإقصاء الشديد على الديانات والطوائف الأخرى. وكما هو الحال في مدينة الرقة، يبدأ العام الدراسي في الموصل بمطالبة كل المدرسين بالحضور إلى المدارس ليتلقوا توجيهات "داعش" مع "الأمير" وهو مصري يشرف على التعليم. ومن المواد الدراسية المحظورة التاريخ والجغرافيا والأدب والفنون والموسيقى وعلم النفس ومواد أخرى. وحذفت من المناهج الدراسية كل إشارة إلى العراق وسورية. وتتركز المناهج الدينية على الجهاد. ولا تزال وزارة التعليم في بغداد تدفع رواتب المدرسين، أما "داعش" فيفرض رسوما دراسية شهرية تراوح من 25 ألف دينار عراقي (21 دولارا) لأطفال الروضة إلى 50 ألف دينار (42 دولارا) للمدارس الثانوية، و75 ألف دينار (63 دولارا) لطلبة الجامعة. ومن المفترض أن هذا سيذهب في نهاية الأمر إلى دفع نفقات الخدمات التعليمية وغيرها من الخدمات كما هو الحال في سورية حيث يمنع "داعش" الآن أي مدفوعات من حكومة دمشق.
وفي الوقت الحالي، ما زال التنفيذ متفاوتا، ويفتقر "داعش" إلى الأعداد اللازمة للسيطرة الكاملة، لكن هذا الوضع قد يتغير بمرور الوقت، لأنه اتضح أن هذه المدن ومناطق أخرى تخضع لاحتلال "داعش" لديها إدارة قادرة على فرض النظام - وإن كان بوحشية في بعض الأحيان – وعلى الإشراف على تقديم الخدمات بفضل الخبراء والفنيين المتاحين.
ويبدو بوضوح أن أولوية "داعش" الخاصة بالأراضي وتركيزه على تنشئة جيل جديد بأكمله مع محاولة بناء الدعم له من خلال تقديم الخدمات تعني أن الوسائل العسكرية وحدها لا تكفي. وقد يلزم الاعتماد على برامج التلقين المضاد لإعادة دمج السكان ولا سيما الشباب حينما يتم إزاحة "داعش". وأكد مسؤول كردي على جوهر هذا التحدي بقوله، "أكبر خطر نواجهه هو أن الأطفال يتلقون منهجا دراسيا جديدا يتسم بالتطرف الشديد. فهذه قنبلة زمنية توشك أن تنفجر معرضة المستقبل للخطر".
ـ

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي