بعيدا عن التكفير والانفعال
يروى عن الشيخ علي الطنطاوي أنه عندما كان إماما في جامع كبير في دمشق هاجم المطربة منيرة المهدية عند زيارتها للشام، وطالب بمنعها، فندم بعد ذلك، وقال: ليتني لم أفعل، "كنت أعمل لها دعاية مجانية" من دون أن أدري! في الحقيقة، لا تحتمل الساحة مزيدا من التشنج، بل في حاجة إلى المعالجة بهدوء. هناك تطرف في التفكير وغلو في ممارسة الدين ينبغي أن نسعى جميعا للحث على الاعتدال، وليس لصب الزيت على النار وفتح جبهات جديدة وجروح مؤلمة، يكفي ما تعانيه الأمتان العربية والإسلامية من ويلات ونكسات أدت إلى تمزيق الأوطان وتشريد الناس.
لا أتفق مع التشنج بشأن حلقات تلفزيونية اجتهد أصحابها في مكافحة أفكار منحرفة الذي غرر بشبابنا وأدى إلى ذهابهم إلى ساحات قتال لا تعنيهم ولا يمتلكون القدرات والأدوات لدخولها، ولا يمكن أن يغيروا فيها شيئا، بل يزيدوها تعقيدا، التكفير والحكم على الإنسان بأنه "ديوث" أمر تجاوز حدود الأدب وإصلاح الأمور والدعوة الحسنى.
ملاحظات مهمة ينبغي أن تسجل وأن نهتم بها، وهي:
أولا: لا ينبغي أن يستخدم منبر مساجد الجمعة للآراء والانفعالات التي ما يلبث أن يتخلى عنها أصحابها ويعترفون بتعجلهم في قولها.. وذلك بعدما أدى إلى تجييش المشاعر.
ثانيا: ينبغي أن تركز خطب الجمعة على قضايا مهمة وواضحة لا تقبل اللبس ولا تخضع لوجهات النظر الشخصية أو الانفعالات الآنية.
ثالثا: مع أهمية معالجة القضايا التي تمس الأمن الفكري وتشجع الإرهاب من قبل وسائل الإعلام المختلفة، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك من خلال التقليل من شأن علماء الدين أو المس بالرموز الدينية.
رابعا: لا ينبغي أن يعالج الخطأ بالخطأ. فلا يليق بعلماء أجلاء التسرع والحكم على الأمور دون دراسة معمقة تنظر للموضوع من زوايا مختلفة، وتحدد الخطأ في معالجة قضايا مهمة مثل "داعش" و"الطائفية" و"التطرف الديني" الذي نرفضه بالمطلق ونتصدى له.
خامسا، نؤكد دور العلماء وخطباء الجمعة في إصلاح المجتمع وتهدئة الفتن، ونحسبهم أمثلة يحتذى بها في أدب الحوار والنصيحة ومعالجة الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة، وأكثر الناس امتثالا بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكمته وصبره، كما نأمل ممن يسعون إلى معالجة قضايا التطرف الفكري والتشدد الديني ونحوهما أن يتناولوها بدقة واهتمام ومسؤولية ونزاهة، لكي لا تسهم المعالجة الخاطئة في تداعيات عكسية وخطيرة.
وأخيرا وليس آخرا، أقدم التهاني بحلول شهر رمضان المبارك لجميع المسلمين، وأدعو الله أن يعين الجميع على صيامه وقيامه، وأن يكتب النصر والعزة للوطن وأبنائه.