رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قضية الميزان والمكيال في أسواقنا

كل عام وأنتم بخير، ومع إطلالة هذا الشهر الكريم أرفع أسمى التهاني إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي العهد وإلى الشعب السعودي الكريم والأمة الإسلامية جمعاء، وأسأل الله العظيم أن يكون هذا شهر أمن وأمان واستقرار وعزة ونصر، وفي هذا الشهر الكريم شهر العبادة والطاعة والنفوس الخاضعة الراضية بأمر الله أنتهز الفرصة كي أذكر بما أمر الله به من إقامة الموازين بالقسط، ونتذكر جميعا وعيده لمن يتلاعب بالموازين والمكاييل، ولنا في الذين خلوا من قبلنا آية وعبرة، وكيف عذبهم الله لمّا خالفوا أمره وتلاعبوا في الموازيين، وإننا اليوم في خير وعيش رغيد بفضل الله ومنته علينا، ولكنني أزداد قلقا من انتشار ظاهرة اختفاء الموازين والمكاييل من أسواقنا أو التلاعب بها بشكل علني لتظهر بدلا عنها إما موازين تقيس معدنين مختلفين شكلا وموضوعا كأنهما معدن واحد، وإما حاويات لا نعرف لها قياسا ولا مرجعية لا نعرف ما ولا ماذا تقيس على وجه الحقيقة، قلق يجعلني أكتب مقالا للمرة الثانية وأسأل السؤال ذاته، أين وزارة التجارة مما يحدث في الأسواق؟
فهذه الظاهرة الخطيرة شرعيا واجتماعيا وحضاريا تجب محاربتها بكل الوسائل وإنكارها على كل المنابر. ولعلي أعيد وأكرر أن الذهب والفضة من أكثر الأمور التي طغت فيها ظاهرة التلاعب بالميزان، فزيارة بسيطة لمحال بيع الذهب ستوضح لك وبلا مرشد حجم التلاعب والغش والتطفيف، فالميزان تحول في أسواق الذهب من ميزان دقيق جدا تؤثر فيه حتى نسمة الهواء إلى مجرد قطعة من ورقة ملصقة على الذهب مكتوب عليها وزن لا تعرف ما هو ولا متى ولا من وزنه لهم. ثم تأخذك الدهشة إذا رأيت التفاوض بين البائع والمشتري قد بدأ على هذه الورقة دون أن يتم وزن الذهب فعليا أمام المشتري وبجهاز مضبوط من قبل هيئة المواصفات والمقاييس ومدقق ومراقب من قبل وزارة التجارة. وإذا كنت لم أر محلا للذهب قدم ميزانا مختوما بختم وزارة التجارة إلا أننا نثق بموازين تجار الذهب هكذا لأنهم أهلها، لكن رغم هذه الثقة المبالغ فيها إلا أن التجار يذهبون اليوم إلى أبعد من ذلك ويطلبون منا أن نثق بورقة ملصقة دون أن يتم وزن الذهب فعليا أمام المشتري. وفي أسواق الذهب ليست هذه المشكلة فقط بل ستكتشف لاحقا أنه لا توجد علامة واضحة معتمدة توضح نوع الذهب ولا عياره، فيباع الذهب بنقاء 18 قيراطا مثلا بأعلى من سعر الذهب الأعلى نقاوة والأمر في أوله وآخره يعود إلى نظرة البائع إلى مدى فهم المشتري للاختلافات في نقاوة الذهب وتأثيرها في السعر، وإذا تجاوزت كل هذا فإن المصيبة الكبرى تأتي عندما يتم تسعير الزجاج المطعم به الذهب بسعر الذهب نفسه ولك أن تتخيل سعر جرام الزجاج عندما يصل إلى 200 ريال، وإذا رفضت ذلك فإنك لن تجد من يبيعك، فكل الذهب لدينا مطعم بزجاج، لكن التطفيف يظهر إذا عدت لتبيع ذهبك فيتم نزع الزجاج أمام عينك، أليس هذا من عمل المطففين يا وزارة التجارة؟
أين الميزان في أسواق الأنعام، خاصة مع الشهر الفضيل الذي يكثر فيه طلب الناس للحم الطازج؟ لن تجد ميزانا لوزن الماشية وإذا طلبت ذلك تجد أنواع التهكم من كل حدب وصوب، وإذا قبلت أن أسواق الماشية لا تتحمل أي نوع من أنواع الموازين فماذا نقول عن سبب عدم وجودها في أسواق الخضار التي استبدلت الميزان بشتى أنواع الحاويات الصغيرة ولكل بائع حاوية على هواه، وإذا سألت عن وزنها فلا تسمع سوى صوت صفير البلبل، وكذلك أسواق التمور والمطاعم والأكلات السريعة كلها جميعا بلا ميزان ولا تعرف كيف تقارن هذا بذاك وما مرجعيتهم في الأسعار، واليوم وصل غياب الميزان إلى المخابز التي تعد الخبز دون وزنه.
مشكلة الأسعار لدينا مشكلة مركبة، لكن جزءا من شكوى الناس ليست في السعر فقط ولكن أيضا من ظاهرة تناقص حجم المشتريات (نظرا لعدم دقة الأوزان أو معرفتها) في بعض السلع مع بقاء السعر دون تغيير فلا يتم تعديل السعر ولكن يتم التلاعب في الوزن وهذا من أنواع التلاعب بالأسعار بلا شك، وهذه الظاهرة بدأت تنتشر في محال بيع الخبز، وحتى في شركات صناعية كبرى تنتج الأغذية والألبان والعصائر، حيث يتم الاحتفاظ بالسعر مع تعديل حجم العلبة والهدف هو تخفيض الكميات في داخل علبة، والتجار يفضلون هذه الطريقة لأنه لا أحد يسأل عن الوزن والميزان.
أي سلعة في الدنيا إما أن توزن وإما أن تكال، أو تباع وحدة تصنيعية واحدة معلومة المواصفات والوزن، فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن إلا بوزن معلوم أو كيل معلوم بسعر معلوم مشاع بين الطرفين البائع والمشتري، لا يجوز الغش ولا الغرر ولا بيع ما لا يعرف وصفه ولا وزنه، كل هذا مفصل في كتب الفقه، وهو أمر تشدد فيه الشرع الإسلامي وجاء به الوعيد في القرآن الكريم فلماذا هذا التساهل في عدم مراقبة الأسواق وإجبار الطرفين (البائع والمشتري) على الشراء بوزن معلوم وسعر معلوم ووصف معلوم، وهناك مكاييل معروفة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومن المعروف أن عملية صناعة المكاييل والأوزان والمقاييس بشتى أنواعها تعتبر من أهم الموضوعات التي تهتم بها الشعوب المتحضرة، حتى أن هناك مقاييس مرجعية عالمية لهذه الأوزان، فلا يجوز لمن شاء أن يصنع له ميزانا كيفما يريد، ولا يجوز لمن أراد أن يصنع له ثقلا على شكل وزن (الكيلو مثلا) هكذا بناء على رأيه أو أن يقيسه بثقل آخر مشابه له، بل هناك مؤسسة حكومية مرجعية لذلك هي هيئة المواصفات والمقاييس هي المسؤولة عن هذا، وهي ترجع بمقاييسها إلى مؤسسات عالمية دولية ذات قبول واعتراف عالمي في هذا الشأن، ولو اطلع البعض كيف تعامل هذه المقاييس والأوزان المرجعية العالمية وكيف تصنع وأين يحتفظ بها فإن الدهشة سوف تصيبه تماما نظرا لشدة اهتمام العالم بها وما يلاحظه من إهمال شديد لدينا في ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي