رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الغرب .. وإطلالة رمضان 2015

تتبعت التغطية الواسعة لقدوم شهر رمضان هذا العام في الصحافة الغربية. في رأيي الشخصي استحوذ الشهر الفضيل هذه السنة من الاهتمام ما لم يكن بالحسبان. التغطية كانت من السعة والشمول بحيث أشبعته نقاشا من أوجه عديدة، أمهات الصحف والقنوات الإعلامية في أوروبا أو شمال أمريكا (الولايات المتحدة وكندا) تحديدا.
سأترك الناحية التجارية جانبا رغم أن هذا الجانب له أهميته. لا يخفى أن المجتمعات الغربية ذات نزعة استهلاكية ــ أي أن الاستهلاكية كمفهوم قد تحولت إلى ثقافة وسياسة وجزء من الاتجاه العام السائد والغالب في المجتمع. تقتنص الشركات وأصحاب المحال التجارية أي فرصة مهما كانت، بغض النظر عن ماهيتها لترويج وبيع بضاعتها.
ما يهمني في هذا المقال هو الكتابات الفكرية والفقهية والنقدية التي ظهرت بهذه المناسبة في الغرب، وأضيف إليها بعد التحليل النقدي للخطاب وهو واحد من اختصاصاتي الأكاديمية الأساسية.
وإجمالا تناولت الكتابات هذه ثلاثة محاور أساسية: الأول يتعلق بالمسلمين في الغرب وكيف ولماذا يجب عليهم اختيار أسلوب حياة ومنهج وتفسير ينطلق من زمنهم ومكانهم ووجودهم حتى وإن اختلف عن توجهات وأسلوب حياة أقرانهم وإخوتهم في الدين، ولا سيما الذين يعيشون في الشرق الأوسط.
المحور الثاني يتعلق ببروز مفاهيم، لا بل فلسفة إسلامية روادها أساتذة كبار في أرقى الجامعات الغربية الذين صار لهم تأثير بالغ في حياة المسلمين، هنا وهم في طريقهم إلى إزاحة ما لا يلائم ويتماشى مع محيطهم وبيئتهم، دون المس بجوهر النصوص "المقدسة".
المحور الثالث، وهو المحور الذي أتبناه في كتاباتي، الذي يقول إن النصوص ما هي إلا خطاب، والخطاب لن نفهمه إلا عندما نستوعبه ونتفاعل معه بإيجابية بما يفيد النص ويفيدنا.
بدأت غالبية المسلمين في الغرب تحس وتتفاعل مع محيطها وبيئتها التي تختلف اختلافا كبيرا عن البيئة الشرقية التي ترعرعت فيها. في هذه البيئة لا يستطيع المسلمون كما يفعلون في الشرق الأوسط غلق المطاعم أو النوادي أو فرض أي من الأحكام أو الشروط التي ترافق شهر رمضان في الشرق الأوسط مثلا.
وقرأت مقالات واستمعت إلى مقابلات مع مسؤولي جمعيات إسلامية كبيرة تضم مئات الآلاف من الأعضاء، وإلى علماء وأئمة جوامع أو جامعات أو وحدات عسكرية في الجيوش الغربية تلتزم بما أتى في النص من قواعد تخص المأكل والمشرب والتوقيتات، ولكنها في الوقت نفسه تركز كثيرا على القيم والحقوق الإنسانية والأخلاق في هذا الشهر. واستمعت إلى إمام في واحدة من أرقى الجامعات الأمريكية، وإلى مسؤولين عن منظمات إسلامية كبيرة في الغرب بهذه المناسبة، وهم يدلون بتصريحات للصحافة يدعون المسلمين فيها إلى التشبث بما سموه "الجانب الروحي" لرمضان، لا يمتنع المسلم فيه عن طعام وشراب، بل يمسك نفسه وقلبه ويده ولسانه عن كل ما يبغض الله، وينتهك حقوق الإنسان قولا وعملا.
يرى هؤلاء في هذا الشهر شهر العدل والمحبة والتسامح يلتقون فيه مع كل الفئات المختلفة عنهم دينا ومذهبا وتوجها ويمدون لهم يد الصداقة والألفة والتعايش المشترك وقبول الآخر كما هو وليس كما أريده أنا.
والمحور الثاني وهو محور حساس وقد يكون خطيرا أيضا ولكنه يتعايش معنا ولا نستطيع تجاهله ومفاده نظرتنا وتفسيرنا للنص. العلماء والأساتذة المسلمون في الغرب وسطيون ويرون أن الإسلام يوازن بين متطلبات النص ومتطلبات الحياة. وجود المسلمين بأعداد غفيرة في أقصى شمال الكرة الأرضية وضعهم في حيرة من حيث التوقيتات.
في السويد مثلا على بعض المسلمين الصيام لأكثر من 20 ساعة أو ربما 24 ساعة، حيث هناك مناطق لا تغيب عنها الشمس في الصيف، ولا سيما في هذا الشهر. إن تبنوا التفسير الحرفي للنص لصار الصوم صعبا أو ربما مستحيلا. إلا أن التيار الجامعي والأكاديمي وبعض الفقهاء المسلمين في الغرب بدأوا في تغليب البيئة والمحيط والزمان والمكان على التفسير الحرفي.
عندما يصبح الصيام أمرا شبه مستحيل لكثير من الناس، يقول هؤلاء، من الأفضل تقديم حلول ضمن نطاق النص، ولهذا دعوا المسلمين، ولا سيما في شمال أوروبا إلى اتباع توقيتات مدينة مكة المكرمة. لا أقول إن الكل سيتبعهم ولكن أبدى كثير من المسلمين غبطتهم بهذا الاقتراح.
ونأتي إلى المحور الثالث. دراسات التحليل النقدي للخطاب متشعبة وواسعة رغم حداثتها. ولكنني لاحظت أن المكتبة العربية فقيرة جدا بها.
مثلا هناك من الأمور في النص جرى تقييمها حسب البيئة والمحيط والزمن والمكان الذي نتواجد فيه. وتحضرني هنا عبارة "رباط الخيل" التي يجب إعدادها للحرب. النص قائم لا يتبدل ولكن تفسيرنا ينطلق من البيئة التي فيها نحن اليوم وعليه لا نستطيع الاتكال على "رباط الخيل" في المعركة بل على الدبابة والطائرة والصاروخ والقنبلة الذرية وغيرها.
إن صارت عبارة "رباط الخيل" ذات مدلولات تتناسق وتتطابق وتستجب لزماننا ومكاننا، لماذا لا يجوز أن نربط مدلولات زمانية ومكانية بأنماط وأساليب أو طرز أو نماذج خطابية أخرى؟ ورمضان مبارك وآمل أن يعيده الله على الجميع باليمن والبركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي