رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التوازن بين العمل والأسرة

يعتقد البعض أن رضاه الشخصي عن التوازن الذي يحققه بين عمله وأسرته سبب كاف ليستمر على المنوال نفسه. في الحقيقة إن خطورة القضية هنا تشمل كل من يعتقد بأن "أموره طيبة"، وهي تشمل بطبيعة الحال كل من يجد نفسه في ورطة أو معضلة مرتبطة بالموازنة بين متطلبات الحياة العملية والأسرية.
التوازن بين هذه الأولويات مطلب محوري لأن الإخلال بأي منها على حساب الآخر مدخل مباشر للتأخر والفشل الحياتي، وبالطبع، يجر اختلال التوازن عددا من الآثار والتبعات السلبية التي لا يريدها أحد. مفهوم التوازن بين العمل والأسرة هو مفهوم فرعي يدخل تحت المفهوم الأعم الذي يُطلق عليه "التوزان بين العمل والحياة" والذي يشمل الحياة بكل متطلباتها الدينية والأسرية والترفيهية وغير ذلك. والنجاح على مستوى المفهوم الأعم يتطلب أولا قدرا جيدا من فهم الشخص لأدواره الأساسية في الحياة كما يريدها وقدرة جيدة على إعادة ترتيب أولوياته والتخطيط لها.
مشكلتنا المحلية كما أراها ترتبط كثيرا بالتغيير الذي يحصل في أنماط العمل المحلية، وهو تغيير يجعل التجارب السابقة بعيدة نوعا ما عن التحديات الحالية. خبرة الأجيال المخضرمة والسابقة وطريقتهم في الموافقة بين العمل والأسرة لن تكون ملائمة دائما للمقارنة والاستفادة. تستوعب اليوم وظائف القطاع الخاص المزيد من المواطنين، بل إن ساعات العمل تغيرت حتى في بعض الجهات الحكومية، والعمل خارج أوقات الدوام أصبح منتشرا أكثر من ذي قبل. المرأة أصبحت أما عاملة كذلك. كما أن البيوت تباعدت وتفرقت ولم تعد الأسرة الصغيرة تعيش في كنف الأسرة الكبيرة وتستفيد من دعمها وقربها كما في السابق. كل هذه الأمور تجعل من البحث عن التوازن تحديا جديدا يتطلب مجموعة جديدة من المهارات الاستثنائية.
تزداد أهمية التوزان بين العمل والأسرة عندما نتعرف إلى القضايا التي تظهر للسطح عند فقدان هذا التوزان. من ذلك تدهور الوضع الصحي والنفسي للأب أو الأم وقد يتبع ذلك فقدان الانضباط التربوي والتواصل الهادف داخل الأسرة الذي ينقلب إلى شقاق وسلسلة من المشكلات التي تصعب السيطرة عليها. وربما يمتد الأمر ليؤثر في توقيت ومعدل الإنجاب كذلك، وهذا ما تذكره الدراسات الأجنبية التي لم أجد ما يقابلها محليا. كذلك، يؤثر توتر هذا التوازن في المستقبل المهني للعاملين داخل الأسرة، فالاستقرار الأسري والعملي متطلب مهم للتطور والنجاح ومحدد أساسي لزيادة الدخل والرفاهية الأسرية وفي غيابه يحصل الاضطراب وتسوء النتائج.
ولا ننسى أن في حالة الأب أو الأم المطلقة يصبح تحدي التوزان بين العمل والأسرة أصعب وأخطر إن لم يكن سببا من أسباب الطلاق، وهذا واقع يستوجب التوقف والنظر مليا خصوصا مع معدلات الطلاق المتزايدة. وهو يحصل في معظم الحالات لدى المتزوجين الجدد الذين دائما ما يكونون في بداية حياتهم العملية حين تصنع مدخلات التوازن في حياتهم وتنسق معا.
هناك مجموعتان من الحلول التي تساهم في خلق التوزان بين العمل والأسرة والحفاظ عليه. الأولى ما يرتبط بالمهارات الشخصية والثانية ما تطرحه البيئة المحيطة من حلول وأدوات. من المهارات الشخصية التي يجب أن يمارسها الشخص ويحفزها بوعيه الذاتي تحديد الأهداف الحياتية وإدارة الوقت والأولويات والتعلم المستمر والقدرة على اكتساب العادات الجديدة والمرونة العالية مع الصرامة والانضباط الذاتي عند الحاجة إليهما.
أما المجموعة الثانية فتمثلها ما تطرحه البيئة المحيطة من حلول وأدوات مساعدة تمكن من صنع هذا التوازن. وهذه تبدأ من أنظمة العمل الوطنية وتنظيمات الدوام لدى جهات العمل إضافة إلى أدوات الاعتناء بالأسرة أثناء ساعات العمل مثل المدارس ودور الحضانة وأندية الحي وبالطبع تشغل الخادمات أحد هذه الحلول المهمة والمستخدمة بكثرة والتي تستحق أن تولى العناية اللازمة لكيلا تصبح أداة يراد بها تحقيق التوازن ولكن تغلب سلبياتها إيجابياتها.
من يظن أنه يقف على المسار الأوسط ويتعامل باعتدال أن يراجع كل هذه العناصر من حوله؛ عليه أن يتأكد أولا من أن ما يقوم به يتوافق مع أهدافه وأولوياته وأن ذلك لا يوقع الظلم على أي طرف من حوله. فهم الشخص للأدوات المتاحة ــــ ومن ذلك الأنظمة والتشريعات ــــ يجعله في وضع أفضل لتحقيق التوزان بين العمل والأسرة. على المسؤول والمدير كذلك أن يحرصا على توفير كل المحفزات الممكنة لإيجاد هذا التوازن، فجهة العمل نفسها أول من يجني فوائد التوزان الشخصي الذي يحققه الموظف. أما من يظن أن التوازن مسألة تلقائية ولا تستحق التوقف والتفكير فهو أول من سيتأثر بالتغييرات الجبرية التي تحصل محليا في أنماط العمل والمعيشة.
وبما أن هذا المقال ينشر في بداية شهر رمضان المبارك، استغل الفرصة وأذكر أن هذا الشهر الفضيل فرصة ملائمة لتقييم ومراجعة التوازن الذي نحققه. وهو كذلك فرصة أكيدة لبناء العادات الجديدة والتخطيط لصنع التوزان بين العمل والأسرة والتوزان الحياتي الشامل كما يجب أن يكون، وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي