ممارسة الهوايات بين العقل والجنون
من الأهمية بمكان أن يكون للإنسان هواية يمارسها في وقت فراغه، بل إنها ضرورة لتحقيق ذاته وقضاء وقته فيما يعود بالنفع عليه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه. ففي حين أن الحرفة هي المصدر التي يكسب من ورائها لقمة العيش، فإن الهواية يتسلى بها ويملأ وقت فراغه بما هو أقرب إلى نفسه، بل إنها تساعده على تحقيق النجاح في عمله، وتُدخل السعادة والبهجة في حياته بوجه عام. معظم المفكرين والعباقرة لهم هوايات متنوعة. فعلى سبيل المثال، كان إبراهيم ناجي الأديب المصري طبيبا وشاعرا، وكانت حرفة ابن سينا الطب وهوايته الشعر، وكان عمر الخيام شاعرا ومتخصصا في الرياضيات، وكان نزار قباني شاعرا ودبلوماسيا.
ولكن من المؤسف أن كثيرا منا يمارس هواياته بسخافة وجنون، تدعو للشفقة بحاله. يشجع أحدهم الرياضة، فيثير العداء بينه وبين أفراد أسرته، حيث شاهدنا في مقطع فيديو متداول كيف وصل الأمر بأحد الأطفال إلى أن يختطف البندقية لمحاولة القضاء على أبيه الذي يشجع الفريق المضاد للفريق الذي يشجعه! لقد حدث هذا الأمر بالفعل لأحد المشجعين بعد هزيمة نادي النصر أمام نادي الهلال قبل عدة أيام. هذا فيض من غيض! لذلك أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان– يحفظه الله– في لقائه بالرياضيين إلى أن "النشء يتابعهم ويتأثر بهم، وعليهم أن يكونوا قدوة حسنة لهم، ويجب أن تعكس الرياضة أخلاق المسلم".
كثير من الشباب والكبار يفضل أن يقضي أوقات الفراغ في الرحلات البرية "الكشتات"، ولكنهم يدمرون البيئة دون هوادة، سواء من خلال الاحتطاب الجائر وحرق الأشجار، أو قتل الحيوانات والطيور والزواحف وكل كائن يتحرك في الصحاري الجافة، حتى الذئاب والثعالب أصبحت طرائد لهؤلاء الشباب لإشباع نزواتهم المتوحشة وسلوكياتهم الإرهابية ضد البيئة والحياة الفطرية، أحدهم يهوي بعصاه الغليظة على طائر جميل ونادر ليرديه قتيلا دون سبب أو مبرر!
وبعضهم يتخذ التصوير هواية له، ثم يصوب عدسته تجاه الناس دون مراعاة أو اهتمام بخصوصياتهم وحقوقهم الشخصية التي ينبغي أن تصان. يصور المارة.. ويصور الناس وهم في مواقف محزنة وحوادث مؤلمة دون أي إحساس بانتهاك حقوقهم الشخصية. يتخذ الأطفال أدوات لتصوير مقاطع الفيديو المضحكة أو يستغل طيبة كبار السن وبساطتهم لتسجيل أحاديثهم أو فكاهاتهم وضحكاتهم دون إبلاغهم بأنه يقوم بالتسجيل أو التصوير، متناسيا أن التصوير أو التسجيل الصوتي أو المرئي يتطلب الإذن والموافقة من الإنسان المعني، بل إن من الواجب نظاما أن يقوم إبلاغه بأنه سيقوم بتسجيل المحادثة. بعض الآباء لا يمكن وصفه إلا بالمجرم في حق الأطفال. طفل لا يتجاوز عمره الثامنة يقود السيارة بسرعة تصل إلى الحد الأقصى لسرعة السيارة، ليس لسبب مقبول، بل ليقوم والده "غير السوي" بتصوير طفله البريء إلى جوار "عداد" السرعة يلامس 160 كم/الساعة.
هواة قيادة السيارة يمارسون هواياتهم المحظورة "التفحيط" على الطرقات المكتظة بالسيارات، ما يعرض الأبرياء من الأطفال والنساء لخطر الحوادث وما يترتب عليها من وفيات أو إعاقات، دون اكتراث بأرواح الآخرين، ما يدل على تراخي بعض الأجهزة عن القيام بواجباتها لحماية المجتمع من خطر المتهورين.
هذه السلوكيات تعكس غياب الوعي بالحقوق الشخصية للآخرين، وأنظمة حماية البيئة والحياة الفطرية، ما يدل على إخفاق الجهات المسؤولة، وكذا وسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية في التوعية بوجود الأنظمة وأهميتها من جهة، وضعف تطبيقها الفعلي بصرامة لردع المتهورين من جهة أخرى. إن احترام حقوق الآخرين عموما والأطفال خصوصا، وكذلك الوعي بواجبات "الوالدية" مؤشر لتقدم المجتمعات ورقيها. فأين نحن من ذلك؟! وما الهوايات التي نجيد ممارستها بمسؤولية تجاه المجتمع والاحترام لأفراده؟!