اللاجئون السوريون يحدثون نهضة ثقافية وعلمية في السويد
كان الأسبوع الماضي حقا أسبوع اللاجئين السوريين في السويد. أكثر من وسيلة إعلامية وأكثر من مقال وتقرير تناول شؤونهم وتأثيرهم في المجتمع السويدي ومن نواح شتى.
شؤون اللاجئين والأجانب تأخذ حيزا كبيرا في الغرب وعلى مستويات كثيرة لا سيما الإعلام. ودور الإعلام كبير في الغرب لا سيما في دول شمال أوروبا حيث تقع في صدارة دول العالم من حيث نسبة عدد قراء الجرائد وعدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية والهواتف الذكية.
بيد أن الغالب في هذه التقارير في الغرب برمته وليس السويد هو الطابع السلبي وقد يكون عدائيا أحيانا كثيرا لوجود اللاجئين "الأجانب" لا سيما المسلمين منهم. وصعود الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة مبني على أسس العداء للأجانب.
السويد لا تخلو من تيارات هكذا. فيها حزب يميني زادت شعبيته كثيرا في الانتخابات الأخيرة ودخل البرلمان بقوة إلى درجة أن وجوده وأصواته أخذت تؤثر في تقرير بعض المسارات والقرارات. هذا الحزب مربط فرسه العداء للأجانب واللاجئين لا سيما ذوي الأصول الشرقية والعربية والإسلامية منهم.
ولكن دخول أفواج من اللاجئين السوريين إلى السويد في السنين الأخيرة ـــ أي منذ المأساة الرهيبة والمرعبة التي حلت بسورية كوطن ـــ بدأ الكثير من الناس هنا يغير في وجهة نظره السلبية عن وجود الأجانب ذوي الأصول الشرق أوسطية.
اللاجئون السوريون شأنهم شأن أشقائهم من العراقيين والليبيين والفلسطينيين والصوماليين واليمنيين وغيرهم من شعوب الشرق الأوسط، التي رمتها الأحداث المؤلمة على قارعة الطريق، يهيمون بملايينهم على وجوههم ويجوبون الدنيا بحثا عن ملاذ ولقمة عيش كريمة.
يبدو أن السويد هي المحطة التي يحلم بالوصول إليها غالبية هؤلاء، ولكن الحلم شيء والحقيقة شيء آخر. الإبحار صوب السويد محفوف بالمخاطر ومجرد التفكير فيه قد يعد تهورا. آلاف وآلاف اللاجئين غرقوا في أعالي البحار ومنهم من أكلته الوحوش في أعالي الجبال ومنهم من ضاع في مسيرته الشاقة والطويلة للوصول إلى بر الأمان.
السويد لا تشجع السوريين على القدوم إليها وتعمل جاهدة لغلق كل سبل الوصول غير الشرعي إلى أراضيها. مع ذلك يتوقع أن يقتحم الأسلاك السويدية الشائكة نحو 200 ألف لاجئ هذه السنة، وإن استمر تدفقهم بهذا الشكل فإنهم قد يشكلون أكبر جالية أجنبية في السويد في فترة قصيرة.
هناك نوع من "الازدواجية" أيضا في سياسة السويد تجاه اللاجئين السوريين. من ناحية تغلق الأبواب في وجوههم ــــ أي لا تمنحهم حق القدوم والسكن والإقامة فيها بصورة شرعية وقانونية. تمنحهم الرعاية الكاملة إن وصلوا إليها بصورة غير قانونية بعد أن يكونوا قد لاقوا الويلات في رحلتهم الشاقة قبل أن تطأ أقدامهم أراضيها.
ولكن ما إن يصل اللاجئ حتى تتلقفه السويد بالأحضان. أغلب السوريين الذي يصلون هنا ــــ وأعدادهم في تزايد مستمر ــــ يحملون شهادات عالية ــــ جامعية وما فوق ــــ وغير الجامعيين رياديون، يدخلون سوق العمل بسرعة مذهلة وفي فترة وجيزة يصبحون أصحاب العمل.
وفي اتصال مع المسؤولين هنا حول شؤون اللاجئين عن السبب في منح اللاجئين السوريين أفضلية مطلقة تقريبا في الحصول على الإقامة الدائمة، قالوا إنهم اتخذوا هذا القرار بعد أن أظهرت دارسات جامعية أن كل اثنين من ثلاثة لاجئين سوريين يحملان شهادة جامعية أو أعلى.
ومن ثم فإن الدارسات هذه أظهرت أن السوريين شعب خلاق. يتحدث أغلبهم الإنجليزية بصورة مرضية وبإمكانهم استخدام التكنولوجيا الرقمية بسهولة ويسر.
وفي الأسبوع الماضي كان هناك تقريران في القناة العامة حول فرح وسعادة وبهجة مسؤولي بعض المدن والمناطق والقصبات بوجود اللاجئين السوريين في صفوفهم، حيث أكدت هذه الدراسات أن قدوم السوريين بعلمهم وثقافتهم الغزيرة أدى إلى صعود مكانة بلدياتهم وقصباتهم في سلم الترتيب الثقافي والعلمي في السويد.
وأظهرت الدراسات أن السوريين يتعلمون اللغة السويدية بسرعة مذهلة ويحرقون المراحل التعليمية بطريقة لم يشهدها البلد في السابق.
وأظهرت التقارير أن الكثير من السوريين يعملون اليوم أطباء ومهندسين وممرضين ومعلمين وعمال وأصحاب محال.
ولهذا تعمل دائرة الهجرة كل ما في وسعها على تسريع المعاملات الخاصة باللاجئين السوريين وتخصص مبالغ هائلة لتأهيلهم. "هذا استيراد مجاني للعلم والثقافة لم يحدث مثله في السابق،" كان هذا جواب موظفة في البلدية التي طالبت بإرسال المزيد من السوريين إلى منطقتها وعلى الهواء من القناة العامة الأكثر مشاهدة في السويد.
والسوريون هنا يحبون بعضهم بعضا، متألقون، متفقون، لا وجود للكراهية بينهم، ولا مكانة للطائفية فيهم، مساندون لإخوانهم وأشقائهم في الوطن والدول التي تم تهجيرهم إليها. وقد شكلوا للتو وفي فترة قصيرة جدا مجموعة ضغط تحاول الاستفادة من القوانين والتشريعات السويدية لخدمة وطنهم ومواطنيهم المهجرين لاستقدام أكبر عدد ممكن منهم إلى السويد.
أظن من حقي أن أسال: كيف ولماذا ترك العرب شعبا خلاقا يملك مستويات معرفية تبز ما لدى السويد ضحية للدكتاتورية والإرهاب والشر والعنف من كل حدب وصوب؟!. ألا تشعرون بالخسارة والأسى؟
وأظن من حقي أن أسأل: كيف تعامل الدول العربية اللاجئين السوريين في أراضيها مقارنة بالسويد؟