رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الهزيمة الكبرى .. وعبر لم يستفد منها

قبل 67 عاما، وفي غفلة من العرب، وفي حالة نوم عميق يغطون فيه، سرقت فلسطين وحدث ما اصطلح على تسميته بالنكبة رغم أنها نكبات بتخطيط غربي تم قبل عقود، تواطؤ من بعض الزعماء العرب الذين كانوا عونا للعدو ظنا منهم أنهم سينجون من غدره، وعدوانه حتى باتوا، و منذ ذلك التاريخ يدفعون الفاتورة غالية. قبل 47 عاما، و في مثل هذه الأيام حدثت هزيمة حزيران (يونيو)، أو ما عرف بحرب الأيام الستة، وفيها فقد العرب القدس، والضفة الغربية، وسيناء، والجولان التي سلمها حافظ الأسد، حيث كان وزيرا للدفاع ليكون الثمن فيما بعد حكم سورية.
الأحداث الجسام لا تنسى، ويجب استخلاص الدروس منها خاصة أنها أثرت في الأمة بما أصابها من إحباط نتيجة عدم تحقق الأهداف التي وعدت بها خلال السنوات السابقة للحرب، وليت الأمر اقتصر على ذلك بل إن العدو سرق مزيدا من الأراضي العربية. الفهم الحقيقي لما حدث يستوجب النظر إليه من خلال منظومات عدة أهمها المنظومة السياسية والثقافية والإعلامية والمعرفية.
ما من شك أن العالم العربي قبل 67 عاما كان متخلفا من الناحية المعرفية وكانت الأمية تضرب أطنابها في جنباته، وكان المتعلمون قلة ما انعكس على الأداء الاجتماعي بشكل عام، الرسمي والشعبي. الإدارة الجيدة لا تتحقق دون معرفة في مجالات الحياة المتعددة، كالطب، والصناعة، والإدارة، والاقتصاد، والتنمية الاجتماعية، ولذا كان الحراك الاجتماعي معدوما وإن وجد فهو محدود بالفئة المتعلمة القليلة، ذلك أن الحراك يحتاج إلى ثقافة، ووعي يدرك من خلالها الناس أهمية وقيمة العمل الاجتماعي من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل قوة ضغط على الجهاز الحكومي ليحسِّن من أدائه، وذلك بمساءلته من خلال وسائل الإعلام، والمنابر المتوافرة في المجتمع كالنوادي، والجمعيات، والنقابات المهنية. هذا لم يكن معهودا في ذلك الوقت ما جعل القرار ينحصر في الحاكم فقط.
الإعلام كأداة يفترض فيها توعية الجمهور لم يكن في تلك الفترة مؤهلا لهذه المهمة، بل إنه كان يقوم بدور التجهيل، والتعمية، وتغييب الحقيقة، فما كان يقدم عبر ما هو متاح من وسائل الإعلام شحن عاطفي لا أساس له من منظور معرفي، كما لم يكن الإعلام في ذلك الوقت مسهما في بناء طريقة تفكير موضوعية تمكن من معرفة الحقيقة، والخطأ، أو تشكيل شخصية قوامها الاتزان، والانضباط البعيد عن التشنج الانفعالي الذي لا يلبث أن يزول مثله مثل الفقاعة التي تعجب الناظر إليها ثم لا يكون لها أثر.
الإعلام في تلك الحقبة خاصة في حرب 67 وما صاحبها لم يكن يستهدف بناء مجتمع بأفراد نابهين، مفكرين، أحرار، قادرين على التمييز بين الغث والسمين، والصح، والخطأ، إذ لم تكن هذه مهمته، بل كانت مهمته رسم صورة الحاكم، الشجاع، المفكر، القائد العظيم، وما إلى ذلك من الأوصاف.
في ظني أن الإعلام العربي استعار المبدأ النازي في الإعلام اكذب ثم اكذب يصدقك الناس، وهذا ما حدث فعلا حيث أصبح القائد الملهم يحرك الجماهير بخطاب حماسي بعيد كل البعد عن الموضوعية لتصدق، وتؤمن بما يقول حتى باتت الهزيمة النكراء تعرف بالنكسة، وأن الحرب لم تكن تستهدف احتلال الأراضي، وإنما قتل الزعيم الذي لا يمكن للأمة أن تعيش من دونه، ودون حكمته.
تلك الفترة اتسمت بضجيج إعلامي عربي كان أبرز رواده أحمد سعيد عبر إذاعة صوت العرب الذي باع الأكاذيب والأوهام لأمة العرب، في حين كان الكيان الصهيوني يعمل إعلامه وفق أسس موضوعية يحترم عقول شعبه.
عسكرة الأنظمة العربية كانت هي السمة البارزة في تلك الفترة، حيث خضع كثير من الدول العربية لأنظمة عسكرية شمولية حكمت أوطانها بالحديد والنار، وأودعت الكثير السجون، وأعدمت المفكرين، وخيرة أبناء المجتمع، والأخطر أنها رسخت في أذهان الناس فكرة خاطئة مفادها أن مصلحة المجتمع تقتضي أن تكون السلطة السياسية بيد الجيش، والجميع يعلم ما حدث في الدول التي حكمها العسكر.
الواقع الاجتماعي خاصة للنخب ذات النفوذ لم يكن بمستوى يؤهله لتحمل مسؤولية تلك الفترة، فالفساد الأخلاقي، واللهو، والبذخ، والطبقية كانت أبرز خصائص الفترة حيث دور اللهو، والنوادي الليلية هي مظاهر التمدن السائدة ما أوجد بيئة مناسبة لاختراقات أمنية ترتب عليها، ولا يزال كل ما حدث ويحدث في جسد الأمة المنهك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي