رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سهرة تركية

مثل سباق خيول، كانت الانتخابات التركية، لكن الأمر غالبا من أجل متابعة حصان واحد، أن يربح هذا الحصان أو يتراجع. لم تكن سهرة الانتخابات التركية خاصة بتركيا وحدها، إن وضعنا جانبا التأثير السياسي في ملفات أخرى تخص دول المنطقة. تركيا منذ 12 عاما ومنذ سلطة حزب العدالة والتنمية هي الوجهة الجذابة لمريدي النمط الإسلامي في الدولة العلمانية؛ الذي يتبناه حزب أردوغان. تركيا الدولة العلمانية يتابعها الإسلاميون بإعجاب واندفاع شديدين، والعلمانية هي بلا شك ضمانة الديمقراطية. الطريف أن أردوغان شدد على ضرورة عدم تشويه العلمانية بإساءة تفسيرها، إلا أن بعض الإسلاميين لدينا يصرون أيضا، وفي تناقض كبير، على فساد العلمانية والعلمانيين مع إعجابهم بالرمز أردوغان ونموذج الإسلام التركي. وقد ظهر ذلك في تناقضات فاخرة عدة.
تعتبر تركيا واحدة من أعقد الديمقراطيات، ومشاركة نحو 82 في المائة من الشعب هي نسبة غير مسبوقة في انتخابات برلمانية. كما أن دخول الأكراد بحزب يعبِّر عنهم للمرة الأولى شكَّل ضربة لحزب العدالة والتنمية.
الانتخابات التركية هي الأشد بين حزب العدالة والتنمية الذي يمثله أردوغان وبين معارضيه الذين سعوا باستماتة لإنهاء الحكم الطويل. كان ذلك في مقابل سعي أردوغان إلى حصد المزيد من الانتصارات من أجل تغييرات دستورية وقانونية تمنح الرئيس مزيدا من القوة. رجب طيب أردوغان، عاش فترتين رئاسيتين لكن الانتخابات هذه المرة مختلفة فهي رهان على تقدم أو تراجع تيار الإسلام السياسي ورئته في تركيا ممثلا في حزب العدالة والتنمية. ويبدو أن المعارضة اختارت الصندوق كتحد بديل عن المظاهرات بعد أن نزل على مدى أسابيع أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون تركي إلى الشارع احتجاجا على سياسة أردوغان التي بدأت تأخذ منحى سلطويا وإسلاميا أكثر.
ورغم تقدمه إلا أن حزب العدالة لم يحصل على الغالبية التي تمكنه من تشكيل حكومة مستقرة للمرة الأولى منذ 13 عاما. أردوغان كان يطمح للفوز بمقاعد تمكنه من المطالبة بإجراء استفتاء وطني لتعديل الدستور. الدستور التركي يسمح للرئيس بتشكيل الحكومة خلال 45 يوما. وهو ما يعني أن الأيام القادمة صعبة على حزب العدالة، فهو مضطر إما لتشكيل حكومة أقلية وإما ائتلاف حكومي. إلا أن البرلمان لم يفرز سوى ثلاثة أحزاب معارضة. لذا فسيكون مضطرا لاحقا للتنازل عن تشكيل الحكومة لمصلحة الحزب الفائز الثاني وهو الشعب الجمهوري. وفي حال فشلت سيناريوهات تشكيل الحكومة فمن حق وصلاحيات الرئيس الدعوة إلى انتخابات مبكرة. والهدف هو إعادة الانتخابات البرلمانية. إلا أنه في حال تم ذلك فإن اصطفافات المعارضة التركية ستزداد تحديا وقوة ما يعني خسارة إضافية لأردوغان.
إذن فبعد أن حكم البلاد رئيسا للوزراء على مدى أكثر من عقد وسلم السلطة التنفيذية وحزب "العدالة والتنمية" بعد انتخابات الرئاسة إلى وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، يجد أردوغان نفسه بعد الانتخابات الأخيرة حصانا خسر السباق بضربة سياسية كبرى لمصلحة معارضيه. ويبقى التساؤل الجانبي حول طبيعة التأثير الذي يمكن أن تخلفه خسارة حزب أردوغان لاحقا في ملفات في المنطقة مثل سورية، أو حتى العلاقة مع مصر ومعارضيها في الداخل التركي من الإخوان، وربما الحلف السعودي ـــ التركي ـــ القطري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي